«بكرهك يا ميس»

آراء

إن مهنة التدريس من أنبل وأرقى المهن، وذلك لما للمعلم من تأثير غير محدود في الطلاب، ويمكن أن يكون ذلك التأثير إيجابياً أو سلبياً، وفي كلتا الحالتين قد يمتد ذلك التأثير طوال العمر، لذلك لا عجب في وصف أمير الشعراء أحمد شوقي: «قف للمعلم وفِّه التبجيلا، كاد المعلم أن يكون رسولا»، وحتى نرى الموضوع من جميع زواياه هل يتم إعداد المعلم بالقدر الكافي علمياً وسلوكياً ووجدانياً لكي يقوم بمهنة الرسل؟ هل كل من يمتهن التعليم جدير بتلك المهنة النبيلة بل والرسالة الإنسانية؟ بنظرة سريعة على متطلبات التدريس في أغلب المستويات التعليمية، خصوصاً المرحلة الابتدائية، لوحظ أن مجرد الحصول على بكالوريوس في التربية يكفي ليمتهن الخريج مهنة التدريس، وفي بعض الحالات القليلة يجب أن يجتاز المعلم دورة تدريبية، أو تدريباً عملياً، حتى يصبح مؤهلاً، لكنها معايير متواضعة جداً بالنظر إلى أهمية وتأثير هذه المهنة.

• «بكرهك يا ميس، وعلطول بدعي عليكي يارب تموتي، ومش حتأسفلك».

الكثير من المعلمين مجرد «موظفين»، أي إنها مجرد وظيفة تدرّ لهم دخلاً، والبعض يلتحق بتلك الوظيفة وهدفه الأساسي الدروس الخصوصية، التي تدرّ دخلاً عشرات أضعاف الراتب الوظيفي، وبالتالي لا يبذل المدرس مجهوداً في الصف، موفراً جهده وطاقته للدروس الخصوصية، وهنا يوجد تضارب مصالح واضح وصارخ، بل إن الموضوع يصبح موضوعاً أخلاقياً، ويدمر القيم لدى الطالب، فمعلمه الخامل في الصف، الذي لا يسهم بأي مجهود، يتحول لشعلة نشاط في حصة الدرس الخصوصي، ويتفانى في العطاء بعد أن يستلم مظروف النقدية.

والمشكلة لا تقتصر على الدروس الخصوصية، فقد يسهم المعلمون بأذى من نوع آخر، من خلال اتجاهاتهم وسلوكياتهم السلبية التي تدمر الطلاب، خصوصاً في المرحلة الابتدائية.

في رسالة صغيرة بحروف ركيكة كتبها طالب في المرحلة الابتدائية لمدرسته، يقول فيها: «بكرهك يا ميس، وعلطول بدعي عليكي يارب تموتي، ومش حتأسفلك»، ومن الممكن أن يكون جميع الطلاب يكرهون هذه المدرّسة بالقدر نفسه، لكن هذا الطالب استطاع التعبير عن مشاعره، فما الذي يؤدي بطالب بريء في عمر سبع أو ثماني سنوات إلى أن يتولد لديه هذا الإحساس بالحنق والكره تجاه معلمته، التي يفترض أن تكون قدوة له، لدرجة أنه يدعو الله أن تموت هذه المعلمة! لاشك أن هذه المشاعر السلبية ستترك آثاراً ورواسب نفسية لدى الطالب طوال عمره، خصوصاً أن شخصية الإنسان تتشكل في السنوات الأولى، لابد من الاهتمام بمعايير تأهيل المعلمين وعدم قبول كل من يتقدم لكليات التربية إلا بعد اجتياز اختبارات نفسية بجانب المهارات الفنية، وللموضوع بقية بإذن الله.

المصدر: الإمارات اليوم