بماذا ستملئ دلو غيرك؟

آراء

خاص لـ (هات بوست)

شخص روتيني يقدس الروتين والنظام ، فاذا لم يستيقظ في نفس التوقيت كل يوم يُحِس كانه فقد دقيقة قيّمة من حياته، دقيقة لربما عادت اليه بفائدة ما.

يكره العشوائية، يرى أن العشوائيين اشخاص لا فائدة مرجوة منهم، فقط وحدهم الروتينيين من لهم حق العيش والنضال في هذه الحياة.

تجده يبسط اوراقه على مكتبة، ويناظر كل من يدخل القسم ويخرج، عيناه تطير على كل شاردة وواردة، يقتنص اي فرصه تعطيه مجالا للنقد الجارح، فهو يسمي نقده نقد بناء.

نقده يستهدف الموظفين الجدد، و خاصة الخريجين الجدد، بهدف تقديم نصائح ذهبية من شخص موجود منذ زمن الديناصورات ولن يتزحزح من كرسيه حتى يتقاعد او ان يؤخذه الموت، الا ان الامنية الثانية لا تشغله في الفترة الاخيرة، لأنه على يقين بانه سيبقى لوقت التقاعد، وسيتم تكريمه على جهوده المبذولة، فهو في نظر نفسه الاجدر بلقب الموظف المثالي في قسمه، و لأنه فاز بلقب موظف الشهر عدة مرات، فهو يرى بانه يستحق ان توضع ميدالية ذهبيه على صدره ويتباهى امام زملائه، اللذين لا حول لهم ولا قوة.

فصاحبنا الروتيني او صاحب النقد البناء على حد قوله، نموذج يتكرر علينا في كل مكان وزمان، قد تراه في العمل، ومنهم من اصحابك، في بيتك، وحتى في مكان عام التقيته بشكل عشوائي، شخص يحب ان يبدي ما بداخله ليسكت الصوت المسموم، يفتك بغيره قبله ان يفتكه.

لا يعلم اصحاب النقد الجارح او البعض ممن يدّعون بان نقدهم نقد بناء، أنهم يجرحون غيرهم ، يدّعون النزاهة والحكمة، وخاصه اذا كان اكبر منك سناً، فهو يعتقد بان له الحق في ابداء رأيه مهما كان جارحاً فلا بأس في غرس نصل حاد الى قلبك لتتحجر قليلاً، او لتأخذ الحكمة منه على أساس أنه شخص حكيم، فهذه الجرعة اللاذعة ستُعلمك كيف تكون قوياً، وفي الأساس هم لا يحترمون الطرف الاخر، يقللون من قدره، ولا يراعون غيرهم، فهم إما لديهم نقص في تقديرهم لذاته، او عاشوا تجارب سيئة ادت الى انتقاصهم لذلك لجئوا لهذا الاسلوب، فهو يُريحهم جداً.

البعض يقول انه صريح والذي لا يعجبه يمكن ان يضرب راسه بأقرب حائط.. يستخدم البعض هذا الاسلوب بهدف التعليم ولكن لا يعلم بان تعليمه بهذه الطريقة غير فعاله وغير مجديه، فهي تخلّف فقط جرح غائر، فمع انتشار الوقاحة، اصبح الأدب ملفتاً للنظر.

ماذا لو كان لديك دلو و لدي مغرفة ! بماذا سوف أملأ دلوك؟

هناك نظرية تُسمى بنظرية ” الدلو والمِغرفة”، تقول هذه النظرية بانه عندما تتعامل مع شخص آخر سواء كانت علاقتك به علاقة عميقه او معرفة سطحية، فكأن كلا الطرفين يملك دلواً مخفياً ومغرفة مخفية، فعندما تعطي هذا الشخص مشاعر ايجابية سواء بالكلام الطيب او المشاعر الجميلة فكأنك تملأ دلوك ودلوه بالمغرفة والعكس صحيح، فعندما تتذمر منه وترسل إليه مشاعر سلبية فكأنك تُفرغ من دلوك ودلوه بالمغرفة.

أي كلما زاد امتلاء دلائكما كلما كانت هناك مشاعر إيجابية وجميلة تصل إلى كلاكما فتجدان راحة وسعادة ومتعة تعود على الطرفين، وعند نقص كلا الدلوين فتتناقص المشاعر الجميلة وتحل محلها مشاعر سلبية تعود على الطرفين، فيحدث نفور وضيق وعدم الراحة والتعاسة في كثير من الأحيان.

فهذه النظرية يتم استخدامها بين الأزواج، الأصدقاء، شركاء العمل والزملاء، فهي تعمل على تحسين العلاقات بين الاشخاص، وتزيد من قوة العلاقة بينهم.

فحتى الاشخاص العشوائيين من تلتقي بهم في مكان عام عندما تحادثهم وتتبادل بعض الاخبار والمعلومات سترى الفرق الذي يحدث بينكم فإما ذلك يُخلف شعور جميل او شعور سيئ يعود عليك وعليه أيضاً.

الأشخاص الواعين بمدى أهمية هذه النظرية يعلمون جيداً ان اسباب نجاحهم هي قوة شخصيتهم الجذابة و اصحاب الكاريزما الطاغية ومتفردين بذاتهم، قياديين بالفطرة، يعلمون كيف يصلون إلى قلوب الآخرين ويستحوذون على حبهم واحترامهم، فهم لا يرضون ان تتم معاملتهم بأقل من شأنهم، لذلك لا يرضون ان يُعامِلون غيرهم بهذا الاسلوب غير اللائق حتى لا يعود عليهم بشكل سيء، فإن تحترم غيرك أمر لا بد منه حتى يتم احترامك بالمثل.

والذي يدعي بأن نقده بناء في سبيل تعديل سلوك غيره فهو لا يعرف …. (الإحترام) على أصوله، فكل ما يؤذيك فهو حتماً سيؤذي غيرك، لذلك احترِم تُحترم.

فن الحديث لا يُتقنه العديد، وقد تكون صعبة خاصة لمن تعود على نمط حديث معين، فهناك “إتيكيت” الكلام واستخدام مفردات ومعان مناسبة للحدث المناسب، أي كل شيء في وقته، ولكن البعض إما لا يعي ذلك جيداً أو قد تعود على نمط واحد، فالناقد الجارح لا يعلم أن كلامه يخالف الذوق العام.

وحتى الصوت له تأثير كبير جداً على المستمع، ففي أحيان كثيرة قد توجه انتقاد بنبرة خافته فانت هنا تحترم الطرف الاخر توجه انتقادك ولكن باحترام، والعكس صحيح.

فإدارة الحديث مع الصوت له تأثير كبير على غيرك، وسترى تأثير كلامك عليه، فالنبرة إما تجذب الطرف الآخر أو تُنفره منك.

فتعلم أصول الحديث مع استخدام نبرة مناسبة، وليكن نقدك بناّء على أصوله.