توماس فريدمان
توماس فريدمان
كاتب عمود شهير بالنيويورك تايمز

بوتين..لماذا يُعجب بترامب؟

آراء

عندما يتعلق الأمر بتقييم السباق الرئاسي، فإني أفضل الاستماع إلى آراء الجواسيس. فتقييماتهم عادة ما تكون خالية من العاطفة ولا تعرف الرحمة، علاوة على أنهم يمتلكون القدرة على النفاذ إلى ما وراء الهراء، والوصول إلى الخلاصة الباردة والقاسية. وفي الوقت الراهن نجد لدينا اثنين من كبار أساتذة الجاسوسية السابقين، الذين يرسلون الآن رسائل غير مشفرة، بشأن ما الذي سيعنيه انتخاب دونالد ترامب كرئيس للولايات المتحدة.

أيها السيدات والسادة: أقدم لكم المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية«روبرت جيتس»، وعدوه اللدود وعميل الكي. جي.بي السابق فلاديمير بوتين. بوتين كما هو معروف يحبذ انتخاب ترامب رئيساً، أما جيتس فلا يفعل ذلك.

في مقال له في صحيفة «وول ستريت جورنال» كتب جيتس الذي شغل في السباق منصب وزير الدفاع في إدارة جورج دبليو بوش وباراك أوباما، مقالاً وجه في النقد لكل من هيلاري كلينتون ودونالد ترامب، لفشلهما في التصدي للتهديد الذي تمثله روسيا بوتين بشكل جدي. وأضاف جيتس في مقاله أن ترامب قد ذهب إلى أماكن مع بوتين لم يكن أي مرشح رئاسي أميركي محتمل ليذهب إليها، كما أن«تعبير السيد ترامب عن الإعجاب بالرجل ونظامه السلطوي، يتسم بالسذاجة وعدم المسؤولية في آن». صحيح أن هيلاري لديها مشكلة، فيما يتعلق بمسألة المصداقية خصوصا في الموضوعات التي تتصل بالأمن القومي، ولكن ترامب متواطئ مع نفسه.

ولكن «ترامب» رجل خارج السياق العادي للأشياء: فقد عبر عن تأييده لبناء جدار بين الولايات المتحدة والمكسيك، ولتعذيب الإرهابيين المشتبه بهم، وقتل عائلاتهم، ولقيادة بوتين الديكتاتورية، ولنجاحات صدام حسين غير الموجودة ضد الإرهاب. كما قال أيضاً إنه يؤيد استخدام الإنفاق الدفاعي بوساطة حلفاء أميركا في حلف «الناتو»، كمحك أو اختبار مصداقية لمعرفة ما إذا كانت الولايات ستحافظ على التزاماتها تجاههم أم لا، وأنه يؤيد سحب القوات الأميركية من أوروبا، وكوريا الجنوبية، واليابان، ويؤيد قيام الدولتين الأخيرتين، بتطوير أسلحة نووية- وهو احتمال مقلق بدرجة كبيرة.

هيلاري مازال لديها وقت لمعالجة موضوع المصداقية، والقدرة على الحكم الصائب على الأمور، وكسب أصوات الناس.أما بالنسبة لترامب فقد قال «جيتس» عنه في المقال المذكور:«في موضوع الأمن القومي أعتقد أنه غير قابل للإصلاح، فهو غير مطلع على شؤون العالم، ولا يعرف كيف يمكن أن يقود البلاد والحكومة، كما أنه غير ملائم مزاجياً لقيادة رجالنا ونسائنا العاملين في الخدمة العسكرية ولا يصلح بالتالي لأن يكون قائداً عاماً للقوات المسلحة الأميركية».

والأمر هنا لا يتعلق بأن ترامب شخصية يصعب التنبؤ بتصرفاتها. فعدم القدرة على التنبؤ بتصرفات القادة شيء لا بأس به إذا كان هؤلاء القادة يعرفون إلى أين هم ذاهبون، أو يسعون لمفاجئة أعدائهم وإفقادهم توازنهم، أما أن تكون شخصاً غير قابل للتنبؤ، لأنه ليس لديك انضباط، فإن هذا النوع من التنبؤ تحديدا، هو الذي يؤدي إلى تحطم التحالفات، وخلق المآزق، واندلاع الحروب.

وكل ذلك يجعل بوتين يتلمظ بشفتيه تلهفاً لانتخاب ترامب. فلم يكن من قبيل المصادفة والحال هكذا أن يمتدح بوتين «ترامب» ويصفه بأنه«شخص ذكي حقاً وموهوب، من دون شك»، وليس من قبيل المصادفة أيضا أن قراصنة بوتين الإلكترونيين، اخترقوا اللجنة الوطنية للحزب «الديمقراطي» وحملة هيلاري- لإحداث تسريبات محرجة- وتجاهلوا ترامب والحزب «الجمهوري». يرجع هذا لأن بوتين يعرف تقريباً نفس الشيء الذي يعرفه جيتس، وهو أن ترامب إذا أصبح رئيساً سيجعل الولايات المتحدة والحلفاء، يعيشون في اضطراب. يضاف لهذا، أن ترامب قد أطلق العديد من الأكاذيب الفجة في العام الماضي، ولا أتخيل ما يمكن أن يحدث إذا اضطر أن يقود أميركا للحرب، ومن الذي يمكن أن يثق أنه يقول الحقيقة بشأن كل ما يتعلق بهذه الحرب. وبسبب الطريقة التي انتقد بها ترامب حلفاءنا في «الناتو»، فإنه من المستحيل تصور إمكانية قيادته لتحالف، كما لا يملك المرء هنا سوى أن أن يتساءل كيف يمكن لترامب أن يقنع دول الخليج العربي بالقتال ضد «داعش»، أو للعمل من أجل موازنة النفوذ الإيراني، بعد أن صرح بأن مواطنيهم المسلمين يجب أن يمنعوا من دخول الولايات المتحدة. ومن سيرغب في العمل معه بعد كل ذلك.

هذه هي الأسباب التي تجعل بوتين القاسي يعجب بترامب. فترامب على ما هو عليه من نرجسية، يعتقد أن بوتين يعجب حقاً بصفاته القيادية. لا يا دونالد ليس الأمر هكذا! فبوتين يبدي إعجاباً بك لأنه رجل قادر على رصد الرجل القادر على خلق المآزق من أول لحظة تقع عليه عيناه، وفكرة أن تقاد أميركا من قبل رجل سيصبح غير محبوب في نفس الوقت في أوروبا وبكين، ومكسيكو، وأميركا الجنوبية، والعالم الإسلامي، تعتبر بالنسبة لبوتين حلما طالما تمنى تحققه. فرجل الكي جي بي القديم لم يكن بمقدوره أبدأ أن يجعل هذا يتحقق.

لذلك، أيها الشباب، اسمعوا وعوا: هيلاري لن تشعل خيالكم؟ حسنا، أتفق معكم أنها مرشحة لا تخلو من عيوب، ولكنها تستطيع بالتأكيد الاضطلاع بمسؤولية تسيير أمور الدولة، في حين أن ترامب رجل غير قابل للإصلاح. ولن يتمكن فحسب من إشعال خيالكم، وإنما سيشعل النار في البيت كله، وما عليكم سوى أن تسألوا الجواسيس القدامى للتأكد من صحة هذا القول.

المصدر: الاتحاد