بين السطور

آراء

قد يمنع الحياء الكثير من البشر عن البوح بمكنون صدورهم، وفي الوقت الذي يكونون فيه في أمس الحاجة للحديث مع شخص ما، والخروج من العزلة ودائرة الألم، لا يستطيعون ذلك، بسبب الحياء أو الثقافة السائدة، فالعرف في ثقافتنا العربية ألا تبوح لأحد أو تظهر ضعفك حتى لا يشمت فيك أحد، وللأسف كلها موروثات قد تكون مدمِّرة، وقد حدثني أحد الأصدقاء عن رجل أعمال، كانت ثروته تقدر بالملايين، ونظراً لظروف السوق، وبعض الأمور الخارجة عن إرادته، تكالبت عليه الديون، ولم يستطع أن يخبر أحداً من أصدقائه أو أقاربه حتى لا تتشوه صورته، وانتهى الأمر به في السجن، في حين كان من الممكن أن يساعده الكثيرون إذا طلب ذلك، فلايزال الخير موجوداً، ولايزال هناك أصدقاء حقيقيون، على الرغم من قلتهم.

ماذا لو انتبهنا لمن نعرفهم، وحرصنا على التماس أخبارهم، وتحسس ظروفهم، واعتنينا بصدق بهم في حدود استطاعتنا. إن العناية والاهتمام بالآخرين قد ينقذانهم من أمور سيئة قد تحدث لهم، فهناك الكثيرون ممن عدلوا عن الانتحار بسبب موقف أو كلمة من أشخاص لا يعرفونهم، إن الكلمة في حد ذاتها قد تكون طوق نجاة ونافذة أمل في الوقت المناسب، فعلينا ألا ننكب على أنفسنا فقط، وأن نلتمس أخبار من حولنا، ونساعدهم ولو بكلمة، ودائماً الأقربون أولى بالمعروف. سمعت مرة قصة أحد الآباء المسنين، الذي كان يطلب دائماً أن يذهب ابنه معه سيراً على الأقدام لشراء بعض الأغراض من مكان معين، وكان الابن دائماً يقول لأبيه: ولماذا نسير، فيمكن أن نذهب بالسيارة؟ أو لماذا نذهب نحن الاثنين معاً؟ سأذهب سريعاً واشتريه لك، وكان دائماً يتأفف من بطء أبيه، وذات مرة فكّر الابن في الذي بين السطور، لماذا يلح أبي دائماً على أن نذهب معاً، وهنا تذكر أنه عندما كان صبياً كان هذا المشوار من أجمل الأوقات، حيث كانا يتحدثان ويتسامران، فأدرك الابن أن غرض الأب الحقيقي أن يقضي معه بعض الوقت وحدهما، وأن يسترجعا ذكرياتهما معاً. كان الأب يشعر بالوحدة، ويريد أن يقترب أكثر من ابنه، ولحسن الحظ أدرك الابن ذلك، وخصص وقتاً لأبيه، ما انعكس إيجاباً عليهما، ماذا لو أدرك الابن ذلك بعد فوات الأوان!

عندما تشتكي الزوجة أو الأم أو الزوج أو الأبناء علينا ألا نركز في الكلام المنطوق فقط، بل علينا قراءة ما بين السطور، وأن نكون عوناً وسنداً على الأقل لأقرب الأقربين، ثم للمجتمع ككل، فما استحق أن يولد من عاش لنفسه فقط.

المصدر: الإمارات اليوم