سامي الريامي
سامي الريامي
رئيس تحرير صحيفة الإمارات اليوم

«بيّض الله ويهك» يا سالم!

آراء

سالم متعرض العفاري.. مواطن من مدينة العين، متعلم ومثقف، وكان يعمل طياراً، وليس هنا بيت القصيد، فليس هو الوحيد الذي يمتلك مثل هذه المواصفات، لكنه بالتأكيد هو أحد المواطنين القلائل الذي فعل فعلاً رائعاً، وكسر عادات ومظاهر اجتماعية دخيلة على مجتمع الإمارات، بعد أن حكّم لغة العقل مقابل لغة التقليد والتبذير والمباهاة الزائفة، فماذا فعل سالم؟

جاءه من يطلب الزواج من ابنته، ووصل الشاب وبعض من رجال عائلته إلى بيته ليعطوه مهر ابنته، ويتفقوا معه على موعد الزفاف، وحفلة الرجال والنساء، ففوجئوا جميعاً عندما أقسم بأغلظ الأيمان ألا يتكلف الشاب فوق مبلغ المهر الذي دفعه فلساً إضافياً واحداً!

وأصرّ بكل ما أوتي من قوة أن ينتهوا في نفس الوقت من عقد القران، ودعاهم على العشاء في بيته، فهم ضيوفه، كما قال..

وبعد الشدّ والجذب الذي حدث من غرابة الموقف، أتمم سالم مراسم عقد القران، ثم اتجه إلى زوج ابنته، وقال له: «أرجوك يا ابني تفهم الموقف بعقل ومنطق، لماذا تصرف المال على أمور تكميلية لا حاجة لنا بها، ولن تستفيد منها أنت وزوجتك، ولا بيتك، بل هم بعض شركات متخصصة في تنظيم الأفراح، والحفلات، وصناعة (الكوشات) أكبر المستفيدين، وأنا لا أريد كل ذلك، إن كان لديك مال فاصرفه على ابنتي التي أصبحت الآن زوجتك، فخذها وتوكل على الله، فالسعادة في أيديكم أنتم الاثنين، ولا تلتفتوا لما قد يقوله الناس!».

كثيرون، أو بالأحرى كثيرات، لن يعجبهم مثل هذا الفعل، فمن الصعب عليهم تخيل وجود زواج دون حفلة وقاعة فندق و«كوشة» ومئات «المعازيم» ومصاريف، فهذه الأمور وغيرها تحولت مع الزمن إلى أساسيات تسيطر على العقول، وأصبحت جزءاً من سمعة العوائل ومستواها الاجتماعي، وهي «برستيج» لا يمكن كسره، حتى لا تصبح «العروس» أقل قدراً من نظيراتها، هكذا يظنون.

وهذا للأسف الشديد ساهم في ارتفاع تكاليف الزواج بشكل باهظ ومبالغ فيه، وتالياً تحولت هذه الظاهرة إلى أكبر عائق أمام زواج المواطنين، ومع ذلك مازال هناك إصرار غريب في الحفاظ على هذه السلوكيات المُفرطة في الصرف ببذخ.

هذه السلوكيات وهذه الممارسات ساهمت بشكل مباشر في عزوف الشباب عن الزواج، وبسببها زاد عدد المواطنات غير المتزوجات، وبسببها أيضاً زادت مديونيات الشباب، وزادت المشكلات اللاحقة بعد الزواج!

سالم «بيض الله ويهه» فعل ما فعل عن قناعة تامة، لم يفعل ذلك كي يقلده أحد، أو يتكلم عنه أحد، ولكننا كمجتمع نحتاج فعلاً لتغيير كثير من المفاهيم الخاطئة، ونحتاج أن نعيد النظر في هذه المبالغات والبذخ الزائد الذي تسبب في ظهور مشكلات وظواهر اجتماعية لا حصر لها، بالتأكيد لن ندعو إلى إلغاء حفلات الزفاف بشكل كامل، ولكن هناك مليون طريقة لإقامة حفلات مناسبة دون تكلف وتقليد أعمى ومبالغات أوصلت معدل الحفلات إلى 500 ألف درهم على أقل تقدير، فأبناؤكم أولى بهذه المبالغ، أليس كذلك؟!

المصدر: الإمارات اليوم