تبرعات البنوك الخيرية

آراء

بين فترة وأخرى يعود السؤال إلى الظهور، لماذا لا تساهم البنوك في الأعمال الخيرية، كثير من الناس يشعر بالغبن من الأرباح الكبيرة التي تحققها البنوك، أعتقد أن الرد المبطن في صدور أصحاب البنوك: لم نستثمر أموالنا في الأعمال الخيرية، رغم كثرة المؤسسات الكبرى التي تحقق أرباحاً ضخمة لا يطال هذا السؤال الخيري غير البنوك. لم أسمع أن أحداً تولج سلسلة مطاعم أو سلسلة سوبر ماركات، أو موردي السيارات الذين يكسبون بالهبل (كما يقول المصريون). النشاط الوحيد الذي لا يكسب بالهبل هي المتاجر الصغيرة بسبب المزاحمة والمنافسة وعدم قدرة السلطات (وزارة التجارة مثلاً) على تحجيم السوق والتصدي للتستر، وإن شاء الله نحن في الطريق.

حسب تجاربي أرى أن التاجر السعودي الهامور يربح أضعاف ما يربحه أي تاجر في معظم دول العالم، التاجر في كندا أو في أوروبا يواجه ضرائب أكبر من الضرائب في المملكة علماً أن الضرائب في المملكة لم تكن موجودة قبل عامنا هذا. وفوق فرق الضرائب ثمة فرق آخر مهم جداً، مصاريف التشغيل في المملكة أقل من كثير من دول العالم: لا يمكن مقارنة الإيجارات وأجور العمال والمواصلات وفواتير خدمات في المملكة بمثيلاتها في كندا مثلاً، إيجار المحل في كندا يصل إلى ضعف إيجار المحل في المملكة. وإذا تأملت في الأسعار في البلدين ستجد أن أسعار كثير من السلع الضرورية في المملكة لا تقل عن أسعار مثيلاتها في كندا.

أميل إلى القول إن كل المؤسسات التجارية الكبرى في المملكة تربح بالهبل وليس البنوك فقط، يبدو أن المشكلة في طبيعة عمل البنوك أكثر منها في أرباحها، تلمس حساسية تجاه البنوك تحيط بمشاعر الناس يدركها بعضهم والبعض ربما لا يدركها بشكل واعٍ ولكنها مستقرة في أعماقه وتوجه مواقفه. تتلقى البنوك سيلاً من الاتهامات حتى في الدول الرأسمالية الكبرى علاوة على موقف بعض رجال الدين من بعض عمليات البنوك، الشيء الآخر الذي علينا أن نتذكره أن الصراع بين المعسكرين الرأسمالي والاشتراكي في الماضي ترك تراثاً هائلاً من الاتهامات الموجهة للبنوك حتى أصبح الموقف من البنك موقفاً أخلاقياً. ثمة مقولة للمسرحي الألماني الماركسي الشهير برتلوت برخت يقول فيها: «ما الفرق بين أن تسطو على بنك أو أن تؤسس بنكاً؟» شاعت هذه المقولة حتى استقرت في لا وعي كثير من المثقفين وجزءاً من تراث الوعي عند طرفي النزاع الثقافي في العالم: اليسار واليمين.

ليس من مصلحة البنوك استمرار هذا الموقف، لن يضرها تشكيل صندوق خيري كبير تساعد به الفقراء، تكون أعماله ظاهرة أمام الناس، مهما كان الحجم المالي للصندوق سيضيع بين حصص الملاك ومجلس الإدارة والمساهمين.

المصدر: الرياض