تبعات الدولة الفاشلة

آراء

في 2005 بدأت مجلة «فورين بوليسي» نشر القائمة السنوية للدول الفاشلة أو المهددة بالفشل، في إطار شراكة بحثية مع مركز الأبحاث المعروف بصندوق السلام.

كان مفهوم «الدولة الفاشلة» قد لفت أنظار الباحثين بعد نشر المجلة نفسها مقالاً في نهاية 1992 بقلمَي جيرالد هيلمان وستيفن راتنر، حول ظاهرة تفكك الدولة القومية وتصاعد الصراعات الإثنية في العالم، سيما بعد انتهاء الحرب الباردة.

وخلال العقدين الماضيين حاول عدد من دارسي العلاقات الدولية، وضع تعريف معياري للفشل، يمكن احتساب عناصره بصورة موضوعية وقابلة للتطبيق في كل الحالات. لكن هذا الهدف ما زال بعيد المنال، بسبب العلاقة الحرجة بين التعريف والمخرجات التي يصعب وصفها دون «نظرية مسبقة»، أي – بصورة من الصور – تقرير شبه آيديولوجي يحدد كيف نرى الواقع وكيف نصفه.

لكن يمكن القول إجمالاً إن الباحثين المتحفظين يميلون للحديث عن دولة «هشّة» أو «متردّية». بمعنى أنها مرشحة للفشل، دون القطع بأنها فاشلة فعليًا. ويقترحون في هذا السياق 3 متغيرات معيارية، تحدد تصنيف أي دولة بين ناجحة أو متردية:

أ‌) ارتفاع معدلات الجريمة المنظمة، أو تزايد الجماعات المسلحة التي تعمل خارج إطار القانون، أو تستعمل مصادر قوة الدولة بخلاف أغراضها القانونية. وبالتالي عجز مؤسسة الدولة عن حماية المواطنين.

ب‌) انهيار منظومات الخدمة العامة وفشلها في تلبية الحاجات الأساسية للمواطنين، الأمر الذي يجعل وجود الدولة كإدارة للمجتمع، غير ضروري أو غير مفيد، في رأي الجمهور.

ت‌) تلاشي مصداقية الدولة في الإطار الدولي. أي عدم اعتراف المجتمع الدولي بهذه الحكومة كممثل وحيد أو قانوني للبلد الذي تحكمه، أو عدم التعامل معها باعتبارها تملك سيادة كاملة على إقليمها.

يصعب القطع بانطباق هذه المعايير بصورة دقيقة على أي دولة في الوقت الراهن. لكن السياسيين يميلون عمومًا إلى التركيز على العامل الأول، بالنظر إلى واحد من أهم مخرجاته، وهو الهجرة الجماعية للسكان. وخلال السنتين الماضيتين بالخصوص، كانت موجات الهجرة الجماعية الضخمة عبر البحر المتوسط، سببًا في تجديد النقاش حول مسألتين بالتحديد هما: 1 – التكلفة التي يتحملها المجتمع الدولي نتيجة فشل دولة ما. وهم يشيرون خصوصًا إلى انتشار الإرهاب والهجرة غير الشرعية. و2 – مسؤولية المجتمع الدولي إزاء هذه الدولة، التي سيؤدي إهمالها إلى ما سماه توماس فريدمان انتقال عالم الفوضى إلى عالم النظام، أي ببساطة تحول الدول الفاشلة إلى مولد لعوامل انكسار في الأنظمة المستقرة سياسيًا واقتصاديًا.

لدينا تحفظات على صدقية المعايير السابقة. لكن ثمة ما يدفع للظن أن الأول – من دون تفاصيل – يمثل قطب الرحى في أي توصيف لفشل الدولة أو ترديها. ولعل حالة البلدين العربيين؛ سوريا وليبيا، نموذج واضح عن الحالة التي يمكن أن يصل إليها وضع الإقليم ككل، عندما ينكسر النظام العام في إحدى دوله.

يولد العنف في دولة محددة. لكن موجات الرعب التي يطلقها، تتحول إلى محرك للانقسامات الاجتماعية والتوترات السياسية على امتداد الإقليم. انتشار الأزمات عبر الحدود، كان المبرر الرئيسي وراء الدعوة التي أطلقها بطرس غالي، الأمين العام السابق للأمم المتحدة، منتصف 1992، للتخلي عن التشديد التقليدي على مبدأ «السيادة الوطنية» كمرجع للعلاقات بين الدول، والاهتمام بدلاً منه بمفهوم «الاعتماد المتبادل»، الذي يعني أيضًا مسؤولية الجميع عن أمن الجميع.

المصدر: الشرق الأوسط