تجارة الحزن!!

آراء

كلنا ذلك الكائن المسكون بتجارب طفولته، المعجون بسعادتها وشقائها ومازال، فهي تقطن في بطن الذكريات وتتشرنق بداخله، لذلك غالباً ما يكون لدينا حنين لكل شيء مضى، ونظل ننمو ونكبر ونعبر عنها بكل الطرق التي نجيدها، ولكن ماذا لو شرحت لك عزيزي القارئ عن شعوري بـ اللامكان في السفر وعن مشاعري وأحاسيسي الحديّة تجاه الحياة، وعن حالة عقلية لا يستوعبها إلا حكيم أو مجنون. عندما أفتقد لغة التواصل مع الآخر تصبح الحياة مرعبة كظلمات اللجج، وهنا تأتي لغة الموسيقى كموشحات أندلسية تندلق أصواتاً عذبة تغني بحزن وعمق كنفوسنا الشرقية التي لا تجيد غير تجارة الحزن، فنحس بأرواحنا تستريح وكأنها تحت سنديانة وارفة الظلال.

وهذه الأرواح لها من أحزانها نصيب ومن حسراتها ما يشغلها عن بؤس الآخر، فالحياة تصبح أحياناً كالجواد الحرون لا تتقدم ولا تتأخر تقف بين البين بكل بلاهة، ومع أننا نحن البشر قد نكون غرباء جغرافياً إلا أن الأرواح المتشابهة تلتقي باتجاه النمو والترابط، فلا شيء يردع روحاً تحن إلى روح، ولا نستطيع إسدال حجاب اليأس على أرواح لا تناطح إلا الثريا في سموها، فالينبوع يتفجر من الصخر، والمروج الخصيبة يجب أن تعيش داخل قلوبنا، لأنه أحياناً وفي غفلة من الزمن قد نتحول إلى شيء ماضٍ لا يذكر.

إذاً ما الذي يمنعنا من الاستمتاع بالحياة؟ ما الذي يقف حاجزاً بيننا وبين الفرح؟ متى ترمي حمولة اليأس والحزن التي كسرت ظهرك؟ ومتى تستمتع ببياض اللحظة التي يجب أن يشتعل فتيلها من حرارة قلبك؟ متى تقتلع جذور صبار الألم في روحك؟ ومتى تربو وتهتز أغصان عمرك؟ قد تكون محظوظاً إن اكتملت حلقة عمرك الناقصة وعبأتها ببياض الفرح والتفاؤل والحب، فالحب يضفي على الإنسان روحاً مختلفة، ويجعل حال الإنسان بأفضل مما فيه أحياناً، لأنه طريق نحو شيء لا يشبه الأشياء المعتادة والمكررة.

ماذا ننتظر في هذا العالم النزق؟ ففي قصة سئل تولستوي عما هي حاجة الإنسان للأرض فأجاب: «إن الإنسان بحاجة إلى مترين فقط، موضع قبره». يا لبؤس حياة ينتظرها في نهاية النفق موضع مترين، إذاً لماذا نحزن ونشقى ونتشاءم كالغربان، ونتحدث كثيراً ولا نصنع شيئاً نعتز به لأنفسنا ولمن نحب، لم يكن الحب في نظري إلا حياة معجونة بماء الجنة، وبحكم عنادي الكبير ورفضي لكل ما يخالف المنطق أصاب بعدوى الإحباط، إلا أنني أستمر في تذوق الحياة حتى لو كانت بطعم القهوة المُرّة.

المصدر: الرياض