سامي الريامي
سامي الريامي
رئيس تحرير صحيفة الإمارات اليوم

تحديات العمالة في زمن «كورونا».. ملف يحتاج إلى إعادة نظر

آراء

كثيرة هي الدروس المستفادة من أزمة «كورونا»، تحتاج لاحقاً إلى تحاليل معمقة، وسياسات جديدة، وقرارات متأنية، وتوجهات جديدة.. دروس متعددة، تشمل القطاعات كافة، وأعتقد أنه من الضروري جداً إعادة بناء جميع الاستراتيجيات السابقة، فلقد أثبت «الفيروس» أن بعضاً منها لم يكن يسير في الاتجاه الصحيح.

فمن الصعب جداً، بل ومن المبكر الآن، الحديث عن أي تغييرات أو سياسات جديدة، لكن من المؤكد أن أبرز وأهم وأخطر ملف واجه الدولة، في أزمة انتشار فيروس كورونا، هو ملف العمالة الزائدة على الحاجة، أعدادها، وجودها، الحاجة إليها، الضغوط المختلفة بسبب كثرة أعدادها، ومدى الفائدة الحقيقية من وجودها بهذه الكثافة، كل تلك الأسئلة، وغيرها، شكّلت أكبر التحديات التي حمّلت الحكومة عبئاً ثقيلاً في هذه المرحلة الحساسة والصعبة والمعقدة!

الوضع يستدعي إعادة دراسة ملف العمالة بشكل جذري، فلابد من تحديد نوعية وطبيعة الأعمال التي أسهمت في زيادة العمالة، خصوصاً غير الماهرة، ولابد من التعرف عن قرب إلى كُلفة وجود هذه الأعداد الهائلة منها على الدولة، التكاليف المباشرة وغير المباشرة، ومن كل النواحي: الصحية والمعيشية والاجتماعية، وغيرها، مقابل الحاجة الفعلية، والفائدة الحقيقية من وجودها، إضافة إلى معرفة الطرف الحقيقي المستفيد من هذه العمالة!

الإمارات بذلت جهوداً حقيقية ملموسة في حفظ حقوق العمّال، وتوفير كل مستلزمات الحياة لهم، وطوّرت الكثير من القوانين لمصلحتهم، فعلت ما بوسعها من خلال توفير الضمانات الكفيلة بحماية حقوقهم، وفق معايير العمل الدولية، بل وأكثر منها، وذلك على حساب حقوق الشركات وأصحاب الأعمال أحياناً.

كل ذلك حدث في الأوضاع الطبيعية، وقبل تفشي فيروس كورونا، إلا أنه في ظل الظروف الحالية، وفي خضم الأزمة، اتضح أن جميع المستفيدين من وجود العمال، سواء القطاع الخاص الذي استقطبهم، أو دولهم التي جاؤوا منها، أخلوا مسؤولياتهم القانونية، وألقوها كاملة على كاهل الدولة، ما شكّل عبئاً حقيقياً في وقت صعب، عبئاً تحملته الدولة وحدها، ألا يستدعي ذلك إعادة دراسة الملف برمته، فور انتهاء هذه الأزمة؟! نحتاج إلى كثير من العمال لتنفيذ الكثير من الأعمال الإنشائية الضخمة، لا خلاف في ذلك، لكن زمن ما بعد «كورونا» يجب أن يجعلنا نعيد أولوياتنا وخططنا الاستراتيجية.. فهل الأعداد الموجودة تناسب حجم الأعمال التي نحتاج إليها؟ هذا ما نريد أن ندرسه بعناية، وكيف يمكن تقليل نسبة العمال بالتركيز المكثف على التقنية والذكاء الاصطناعي؟ هذا ما نريد التركيز عليه مستقبلاً، إضافة إلى السؤال الأكثر أهمية، وهو: هل سنحتاج إلى الاستمرار في نوعية كثير من مشروعات ما قبل «كورونا» في زمن ما بعد «كورونا»؟!

المصدر: الإمارات اليوم