د. محمد العسومي
د. محمد العسومي
كاتب إماراتي

ترقبوا أزمة الصين!

آراء

بعد أزمتي الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي ترقبوا أزمة كبيرة وخطيرة قادمة في الطريق ستؤثر على مجمل الاقتصاد العالمي، وربما تؤدي إلى ركود جديد، إنها أزمة الصين التي تلوح في الأفق وتبذل الحكومة الصينية جهوداً حثيثة لتأجيلها أو الحد منها. وعلامات الأزمة الصينية واضحة للمتتبع، بل إن عالم المال والأعمال يعرف جيداً أنه من الصعب تفاديها بحكم الحجم الهائل للاقتصاد الصيني الذي يعد ثاني أكبر اقتصاد في العالم ويرتبط بعلاقات تجارية قوية مع كل البلدان، بل إن بعضها أصبح يعتمد بصورة شبه كاملة على الواردات والصادرات من وإلى الصين.

وضمن أهم بوادر الأزمة الصينية نذكر تضخم الأصول هناك، وأولها تضخم أسعار الأسهم بصورة مبالغ فيها، حيث تعرضت سوق «شنغهاي» للأوراق المالية خلال الشهرين الماضيين لمحنتي انهيار لتنخفض بنسبة 25% وأنقذها مؤقتاً تدخل الحكومة واتخاذها لإجراءات غير مفيدة تماماً، كمنع الشركات الكبيرة من بيع أسهمها وضخ مليارات الدولارات في السوق، إلا أن هذه الإجراءات هي مسكّنات فقط وليست حلولاً، إذ إن تصحيح أسعار الأسهم مسألة لا مفر منها، مما يعني أن تكرار الانهيارين السابقين في الفترة القادمة أمر ليس محل شك.

وثاني أهم القطاعات المتضخمة للغاية هو القطاع العقاري، فأسعار العقارات تضاعفت عدة مرات دون سند للأساسيات المتعارف عليها، فهناك فائض كبير في الوحدات السكنية عالية الثمن وقطاع واسع من الناس غير قادر على شرائها، وهذا التناقض سيقود حتماً إلى تصحيح مؤلم في السوق العقارية الصينية.
وإذا ما عرفنا أن هذين القطاعين الرئيسيين سيجران معهما إلى القاع قطاعات أخرى مهمة أيضا، وأولها المؤسسات المالية والمصرفية المعتمدة على نشاطيهما بصورة كبيرة، في الوقت الذي يعتمد القطاع الصناعي على تمويل البنوك، مما يعني أن سلسلة الانهيارات ستتوالى وتزيد من أزمة البطالة وإفلاس الشركات، بما فيها الصغيرة والمتوسطة التي تستوعب العدد الأكبر من الأيدي العاملة.

وتضاف إلى ذلك المؤشرات الاقتصادية المقلقة التي تصدر تباعاً من الأجهزة الرسمية في الصين، التي تشير إلى تباطؤ نمو الاقتصاد ليبلغ 7% وهو أدنى مستوى له منذ خمسة وعشرين عاماً يرافقه تراجع الاستثمارات في الأصول الثابتة، وانخفاض الصادرات بنسبة كبيرة بلغت 8,3% والواردات بنفس النسبة تقريباً في شهر يوليو الماضي.

والمسألة الأخيرة تحاول الحكومة حلها عن طريق خفض قيمة العملة الصينية «اليوان» التي خفضت ثلاث مرات في ثلاثة أيام متتالية الأسبوع الماضي، وذلك من أجل زيادة القدرة التنافسية لصادراتها في الأسواق الدولية، وبالتالي عودة الصادرات إلى مستواها السابق، إلا أن هذا الإجراء بدوره لن يجدي نفعاً، وخصوصاً أنه لقي معارضة من اقتصادات دول كبيرة، كالولايات المتحدة والهند، حيث ربما تؤجل الأولى رفع سعر الفائدة في شهر سبتمبر القادم، كما هو مقرر، في حين سمحت الهند في المقابل بانخفاض عملتها للحفاظ على وضعها التنافسي في الأسواق.

وما يهمنا هنا أن الأزمة الصينية ستؤثر بقوة على أسعار النفط، بل إن تأثيراتها بدأت بالفعل، حيث تدنت الأسعار إلى أقل من خمسين دولاراً للبرميل الأسبوع الماضي مع توالي صدور بيانات الاقتصاد الصيني المثيرة لقلق الأسواق، أما في حالة حدوث الأزمة، فإنه من الصعب معرفة القاع الذي سيصل إليه برميل النفط.

وإذا كانت الأزمتان السابقتان في الولايات المتحدة وأوروبا قد اتخذتا طابعاً مالياً بصورة أساسية، فإن أزمة الصين ستتخذ طابعاً مالياً وتجارياً في الأساس، وذلك بحكم الطاقة التصديرية والاستيرادية الهائلة للصين، فصادرات الشرق الأوسط وأفريقيا من النفط تتجه أساساً إلى هناك، كما أن الصين تقف على رأس البلدان المصدرة للكثير من السلع لدول المنطقة وللكثير من دول العالم الأخرى، مما يعني أن التجارة الدولية ستتضرر بشدة من الأزمة القادمة، مما يتطلب من جميع البلدان الاستعداد لها للتخفيف ممن تأثيراتها قدر الإمكان.

المصدر: الاتحاد