د. محمد العسومي
د. محمد العسومي
كاتب إماراتي

ترقية السوق السعودي

آراء

بعد ترقية سوقي الإمارات (أبوظبي ودبي) للأوراق المالية قبل أكثر من أربع سنوات لمؤشر MSCI للأسواق الناشئة، جاء دور السوق السعودي للترشح للترقية إلى هذا المؤشر الدولي الذي يعزز الثقة في الأسواق المالية، ويفتح أمامها فرصاً كبيرة لجذب المزيد من الاستثمارات ورؤوس الأموال الأجنبية، وذلك بفضل إضفاء المزيد من الوضوح والتقنين على تعاملاتها.

ومن المعروف أن البورصات الخليجية تعتبر من الأسواق المالية الحديثة في العالم، إذ لا يتجاوز أقدمها الأربعة عقود، إلا أنها تطورت بسرعة كبيرة نتيجة للعديد من العوامل التي يأتي في مقدمتها توفر سيولة كبيرة بعد تضاعف أسعار النفط في منتصف السبعينيات من القرن الماضي وكذلك تأسيس شركات مساهمة عامة، كشركة «سابك» السعودية التي تعتبر ثالث أكبر شركة للبتروكيماويات في العالم، وطرح العديد من أسهم البنوك الخليجية للاكتتاب العام، مما حول هذه الأسواق إلى منطقة جذب استثماري لرؤوس الأموال المحلية والأجنبية.

ومع أن بداية الاكتتابات اقتصرت أساساً على المواطنين بسبب بعض القيود وتردد الاستثمارات الأجنبية، فإن النتائج الجيدة التي حققتها الشركات المساهمة الخليجية شكلت عامل جذب قوي للاستثمارات الأجنبية التي دفعت باتجاه تطوير الأنظمة والقوانين لاستكمال هذه الأسواق الجديدة، وهو ما تم بالفعل وشكل سبباً رئيسياً لترقيتها لمؤشر MSCI.

لقد كانت ملاحظات الشركات الأجنبية تتمحور بصورة أساسية في نقص التشريعات والشفافية، حيث تم أخذ هذه القضايا بعين الاعتبار عند التحضير للانضمام لمؤشر الأسواق الناشئة، وحدثت تغييرات جوهرية قادت في النهاية إلى إدراج بعض الأسواق المالية الخليجية تحت هذا المؤشر.

لقد استفاد سوقا الإمارات من عملية الانضمام واستقطبا رؤوس أموال أجنبية كبيرة، مما ساهم بدوره في تطور أنظمتهما وإكسابهما طابعاً عالمياً وشجع على تأسيس المزيد من الشركات المساهمة العامة، بما في ذلك بمشاركة استثمارات خارجية، مما زاد من قيمة هذين السوقين وأدى إلى ارتفاع الأسعار وساهم في استقرارهما والتقليل من تذبذباتهما، وهي عوامل إيجابية تمت بفضل الانضمام لمؤشر الأسواق الناشئة.

وفي الحالة الجديدة المتعلقة بالتحضير لانضمام السوق السعودية لمؤشر MSCI فإنه يتوقع أن يؤدي ذلك إلى تدفقات مالية تصل إلى 9 مليارات دولار (33 مليار درهم)، ومع أن هذا المبلغ متواضع مقارنة بحجم السوق السعودي الذي يعتبر أكبر سوق مالي عربي، فإنها مجرد بداية لعملية استقطاب كبيرة، وخصوصاً أن ذلك سيتزامن مع طرح 5% من شركة «أرامكو» العملاقة للاكتتاب العام السنة المقبلة 2018، حيث سيتم إدراجها في السوق السعودية إلى جانب أسواق عالمية رئيسية أخرى.

وما يشير إلى تلك التطورات المتوقعة، هو ارتفاع مؤشر السوق السعودي نهاية الأسبوع الماضي بنسبة كبيرة بلغت 4% في يوم واحد بعد تأكيد عملية الانضمام، في حين بلغ حجم التداول عشرة مليارات ريال (2.7 مليار دولار وهو حجم لم يصله السوق منذ عامين، أي منذ منتصف عام 2015.

وفي الوقت نفسه يدفع هذا الانضمام نحو المزيد من الإصلاحات للسوق السعودي والأسواق الخليجية، وسيتيح لها القيام بالمزيد من التطوير لأنظمتها وتشريعاتها القانونية، مما سيكسبها قوة ومرونة أكبر في مواجهة التقلبات والحد من المضاربات، ويضفي عليها المزيد من القوة والتماسك والوضوح، إذ إن الهدف النهائي للأسواق المالية الخليجية هو الانضمام للأسواق المتقدمة، وهو أمر ممكن في ظل تطوير البنية التحتية القانونية والتشريعية.

وبما أن السوق الخليجية المشتركة حققت بعض التقدم والاندماج وأتاحت فرصاً أوسع للتعامل في كل الأسواق المالية الخليجية للمواطنين والمقيمين، فإنه لابد لبقية البورصات الخليجية (الكويت والبحرين وعمان) أن تسعى هي الأخرى للانضمام لمؤشر MSCI من خلال تحقيق المطالب والاشتراطات المطلوبة، وهي مسألة ممكنة، وخصوصاً أن السوق الكويتية تعتبر الأقدم من بين هذه الأسواق.

وإذن تقف أسواق المال الخليجية على أعتاب مرحلة جديدة ستحقق معها نقلة نوعية ستحولها إلى أحد أهم الأسواق الناشئة في العالم، وستفتح المجال أمامها للتحول إلى أسواق متقدمة تدرج فيها شركات ومؤسسات مالية عالمية، وهو ما سيؤدي بدوره إلى إضافة مهمة للاقتصادات الخليجية، مما سيعزز من نموها وتنوعها الاقتصادي.

المصدر: الاتحاد