تعارفوا وتعايشوا 

آراء

خاص لـ هات بوست:

لطالما رغبت أن أعرف ماذا يدور في مؤتمرات حوار الأديان التي تجري بين حين وآخر، وكيف يتباحث المتحاورون؟ هل هي نقاط الالتقاء بين الأديان المختلفة؟ هل يحاولون درء الخلافات العقائدية؟ هل وصلوا إلى نتيجة؟  

يقدر موقع “موضوع” عدد الديانات في العالم اليوم بأكثر من 4000 ديانة، منها خمس رئيسية يعتنقها ما يقارب 75% من سكان العالم، من بين هذه الخمس هناك ثلاث نسميها ديانات سماوية. 

اعتدنا نحن سكان بلاد الشام على تعايش أتباع ديانتين رئيسيتين، بما تحويانه من طوائف مختلفة، ولم يكن ثمة ما يمنع الصداقة والمودة وحسن الجوار وتبادل التهاني والمواساة بين الأطراف جميعها، إنما علينا الاعتراف أن هناك عناوين عريضة ليس من السهل الغوص فيها أو نقاشها، بل حكمتها صورة نمطية التصقت في العقل الجمعي لكل طائفة وكل ملة، فبالنسبة للمسيحي هؤلاء المسلمين عنيفين وإن لم يظهروا ذلك، وعند أول منعطف سيضطهدونه ويتقاضون منه جزية، وبالنسبة للمسلم هذا المسيحي يؤمن بالتثليث وهو ذنب لا يغتفر، وإذا مات رغم صداقتنا لا يمكنني الترحم عليه، وهذا الشيعي يسب الصحابة، وهذا السني يكره آل البيت، وذاك الدرزي يؤمن بأسرار لا يمكن الاطلاع عليها، وأي حوار في هذه المواضيع سيجلب خلافات نحن في غنى عنها. 

وكي لا نذهب بعيداً، إن طرح فكرة جديدة بين أتباع الملة الواحدة والمذهب الواحد سيودي بنا إلى مواجهة اتهامات لا حصر لها، والأمثلة بين أيدينا لا تعد ولا تحصى، حيث يغدو القول أننا لسنا ملزمين بما أفتى به الأئمة الأربعة هو “كفر” محض لدى معظم أهل السنة، أما القول أنه لا يمكن لعمر بن الخطاب أن يضرب فاطمة الزهراء فتسقط جنينها وعلي بن أبي طالب يأخذ موقع المتفرج فيرقى إلى المساس في العقائد لدى معظم الشيعة، فما بالكم مع الأديان الخمسة الرئيسية جميعها؟ 

لا يمكن معالجة الموضوع بمقال كهذا، سيما أنه يحتاج لمختصين في علوم مختلفة، لكن من البديهي القول أن ما لا نعرفه يبقى أسير التكهنات والاتهامات، وفي بلداننا سارت الأمور نحو التخفي خلف الأصابع، وبدل أن يطرح كل ما يتعلق بالأديان والتاريخ بحلوه ومره للبحث والنقد والتمحيص، آثرنا طمس القضايا الشائكة تحت ستار التعايش السلمي، وأجلنا أية أحاديث إلى حين تقع مصائب كبرى لنكتشف أن هذا التعايش هش يمكن أن تذروه الرياح، ونخاف عليه من أية تهديدات داخلية كانت أم خارجية. 

فنحن لم نتعلم في مدارسنا إلا ما يخص ديننا فقط، لم نتعلم عن المسيحية من منظور أهلها، والعكس صحيح، فالمسيحيون لا يعرفون عن الإسلام أكثر من أنه يسمح بتعدد الزوجات، وإن أردنا الدقة نحن أيضاً لم نعرف عن الإسلام أكثر مما أراد لنا فقه عصور صاغت ديناً موازياً وفق ظروفها، ولو عرفناه كما جاء به رسولنا محمد (ص) وأكمل به الرسالات لوجدنا أن سنة الله في خلقه الاختلاف، وأن الدين واحد يضم كل من آمن بالله وعمل صالحاً، ومن ثم قد تختصر تلك الأديان الأربعة ألف  إلى رقم صغير، فالخلق كلهم عباد الله، وأكرمهم عند الله أتقاهم، صلة معه وخلقاً مع الناس، ورسله جل جلاله كلهم جاؤوا برسالة الإسلام، ودعوا إلى الأخلاق الحسنة، والفروقات بين ملة وأخرى لا تعدو الشعائر، أما الشرائع فقد تدرجت من الأشد قسوة نحو الرحمة، فجاءت رسالة محمد لتكون مرنة توافق كل الأزمنة والأمكنة، حيث تنوس فيها الحدود بين دنيا وعليا لتشمل في مجالاتها أغلب القوانين وأكثرها رقياً. 

ثم أن ثمة أمر بالغ الأهمية لم يلق اهتماماً للتركيز عليه في ديننا، وهو حرية العقائد، فأن أكفر بما تؤمن به لا يعني أن ألغيك، بل يمكن لنا أن نعيش في مجتمع واحد وكل منا على معتقده {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ}(الكافرون 6) والله يفصل بيننا يوم القيامة، طالما السيادة في الدنيا للقوانين، وعلاقتي بمن حولي تحكمها القيم الأخلاقية. 

والله تعالى أمرنا أن نتعارف {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}(الحجرات 13)، فإن كنا نعرف عن بعضنا البعض ومتصالحين مع حرية كل منا بإيمانه، يمكننا أن نتعايش دونما ضغائن، وبالتالي ما يلزمنا اليوم هو مناهج تعرّف الأجيال بالأديان والملل والطوائف بأريحية، إضافة لتعزيز القيم الأخلاقية في المجتمع. 

وإذا كانت المجتمعات الغربية تتراجع نحو التطرف الديني والعنصري، يمكننا أن نخطو بالاتجاه المعاكس لنقدم الإسلام كدين عصري، يتقبل الجميع، ويسمو بالأخلاق ليجعل منها صراطاً مستقيماً يبقى تجاوزه خطأً أحمر.