تعرف إلى ..العالم السري لفتيات “الجيشا”

منوعات

رغم مرور أكثر من 400 عام على ظهورهن، لازالت فتيات الجيشا في اليابان جزء من الثقافة اليابانية، ولازلن يحتفظن بعاداتهن وملابسهن، ومكانتهن بل أصبحن جزءا من السياحة والفلكلور التراثي لليابان.

تعنى كلمة “جيشا”، باللغة اليابانية المرأة التي كانت تهـب روحها للفـن مجسدة ذروة الجمال الياباني، ورمز الأنوثة والحب المستحيل، وبالرغم من أن ترفيه الرجل هو المهمة الرئيسية لها، إلا أنه ترفيه ينحصر بالمحادثة وأداء الفنون التقليدية على غرار الرقص، والغناء، والموسيقى، وصنع الشاي التقليدي، وتنسيق الزهور، والكتابة بخط جميل، ومعرفة تدليك الجسم وارتداء الـ “كيمونو” التقليدي.

تعددت الروايات حول أصول وظهور “الجيشا” فبعض المؤرخين يرجعونه إلى العصور الأولى من تاريخ اليابان، حيث عاشت جماعات من الناس، كرست حياتها للفن والترفيه، كان أغلبهم من الرجال “أوتوكو نو جيشا”، ثم بدأت النساء بغزو هذه المهنة، قبل أن تصبح حكرا عليهن، فيما تقول الرواية الثانية أن بداية ظهورهن يعود إلى عصر”إيدو” ١٦٠٣-١٨٦٨، حين بدأت الفتيات العاملات في محلات الشاي بكيوتو واللاتي كن يقدمن الحلوى والشاي، بمحاكاة عروض مسارح “الكابوكي” وأصبحن يؤدين عروض الرقص والعزف كنوع من الترحيب بزائري المعابد البوذية.

جدل..فنانات؟

اعتبرعمل “الجيشا” محوراً للجدل منذ القرن ال18، حيث تم تشويه حقيقتهن خصوصا في الأوساط الغربية، وحتى في بعض الأوساط اليابانية، ما شكل ارتباكاً حول مفهوم عملهن، إلا أن بعض المؤرخين يؤكدون أنهن بشكل عام “يلتزمن بالأداء الفني وحده، وانه لا يوجد في عـــالمهن سوى الرقص والغناء واستضافة الزبائن، وليس هناك أي مايسيء لأنها ليست من تقاليد الجيشا”.ويوضح المؤرخون أن هذا اللغط سببه العديد من بائعات الهوى اللواتي رافقن جنود الاحتلال بعد الحرب العالمية الثانية واللاتي أطلقن على أنفسهن اسم “جيشا”، ما شوه سمعتهن لدى الغرب.

حياة فتيات “الجيشا”..اتيكيت ..شاي وكيمونو

تعيش الجيشا في أحياءِ تسمى “هاناماشي” في بيوت يابانيةٍ تقليدية تسمى “أوكييا” تديرها بالعادةِ امرأة أكبُر سنّا أو أم البيت “أوكاسان” وغالباً تكونُ هي نفسها جيشا متقاعدة.

وتكرس الجيشا معظم وقتِها لتعلم الفنون إضافة لتلقِّيها صفوفاً في تعلّم الألعاب، وفنون المحادثة، والمكياج، وارتداء الكيمونو، ومراسم سقاية الشاي، ويمكن أن تصح صفوف الرقص والموسيقى مرهقةً تمر خلالها الفتاة بسنوات من التدريبِ اللازم للوصول إلى الاحترافية. فعند تخرجِ الجيشا تكون قد أمضت 5 أو 6 سنوات في دراسة الفُنون التقليدية.

و بما أن الجيشا هي التجسيد الحي للتاريخ والخيال، لا يسمح لها بالزواج مطلقاً فإذا تزوجت، يجب أن تغادر المجموعة.

لباس وماكياج..ماركة مسجلة

مايميز الجيشا هو لون وجهِها الأبيض، حيث تدهن وجهها عدا الأطراف ليبدو وكأنّها تضعُ قناعاً أمَّا العنق، فهي تتركُ مؤخرةَ عنقِها بلا لونٍ مـُشَكِّلةً حرف “دبليو” وهو مقياس الجمالِ اليابانيّ التّقليدي.

كما تقوم بوضع أحمر شفاه شديد الحمرة مع الكحل الأسود ورسم الحواجب بطريقة معينة وهي عملية تستغرق وقتا طويلا.

ترتدي الجيشا رداء “كيمونو” خاصا بها مصنوع من الحرير و له ذيل طويل يمتد للأذرع وله أكمام طويلة، ليظهر حركات الرقص التي تقوم بها ويسمى هذا النوع من الكيمونو “سوسوهيكي” وتعني “سحب الأذيال”.

ويتميز كومونو الجيشا بغلاء ثمنه حيث يتجاوز آلاف الدولارات، تقوم دار “أوكييا” التي تسكن فيها بتسديد قيمته، كما يمكن أن يقدم كهدية لها، وغالبا ما يتم توارثه بين فتيات “الجيشا” بسبب ثمنه الباهض.

كما أنها ترتدي صندلا يعرف باسم “الغيتا” ذو كعب عال ويحتوي على نقوش ورسومات أنيقة مكملة للكيمونو، وتقوم بالتدرب على المشي والرقص به لسنوات طويلة.

مراحل المِهنة..6 سنوات.. صبر وضغط

تحتاج فتاة الجيشا فترة تدريب من 5 إلى 6 سنوات لتحترف مهنة الجيشا، ويطلق على فتيات الجيشا في فترة التدريب اسم “مايكو”، وهن شابات تتراوح أعمارهن ما بين سن 15 إلى 20 عاما ينتظرن بفارغ الصبر احترافهن وانتهاء فترة التدريب المضنية، بسبب تراكم التدريبات المختلفة في فنون الشاي وتنسيق الزهور والرقص الياباني وعزف أداة “الشاميسين” الموسيقية والإتيكيت وغيرها.

وتتدرب الفتيات بصورة تتطلب صبراً طويلاً، كما أن هناك رتباً متعددة للفتيات يحصلن عليها كلما وصلن لمرحلة معينة من الإتقان.

كما يختلف ظهور فتاة الجيشا في كل مرحلة من مراحل عملها، من الفتاة المبتدئة “مايكو”، وإلى الظهور كـ “جيشا” أكبر، حيث تعكس تصفيفة ودبابيس الشعر المختلفة مراحل تطورها، وغيرها من التفاصيل الدقيقة ابتداء من طول الحواجب، حيث تشير الحواجب الصغيرة إلى أن الراقصة لا تزال مبتدئة، وتشير الحواجب الطويلة إلي الجيشا التي تبلغ سن الرشد، إضافة لتغيير لونِ ياقةِ الثّوبِ من الأحمرِ للأبيض الذي تعلن فيه احترافها في عالم الجيشا.

حفلات..أموال..ودعم للسياحة

يطلق على الحفلات والمآدب التي تحييها فتيات الجيشا اسم “أوزاشيكي” وهي عادة ما تكون بمعدل ساعتين لتناول العشاء.

ويبلغ أجر فتاة الجيشا الواحدة مبلغا كبيرا يصل من ٢٠ إلى ٤٠ ألف ين، بالإضافة إلى مصاريف الطعام لذا فإن حضور عروض فتيات الجيشا يكون أمراً مكلفاً فعلاً للزبائن والسياح. لكن في السنوات الأخيرة، وبهدف تنشيط السياحة والحفاظ على التقاليد، وأصبحت بعض الفنادق ومحلات الشاي تخصص بعضا من الوقت المتاح قبل بدأ مآدب الـ”أوزاشيكي” بتقديم عروض قصيرة للجيشا مع توفر فتيات يتحدثن اللغات الأجنبية وبأسعار مخفضة.

فيلم..كتاب وغضب

قامت هوليود بإنتاج فيلم بعنوان مذكرات فتاة جيشا ” Memoirs of a Geisha” هو فيلم تراجيدي رومانسي أميركي صدر عام 2005، وهو مأخوذ عن رواية “مذكرات فتيات الجيشا”، والتي صدرت عام 1997 للمؤلف الأميركي آرثر غولدن.

وأثار الفيلم غضب اليابانيين لاعتقادهم بعدم مصداقيته في نقل الصور الصحيحة عن ثقافتهم وعاداتهم، وانتقد اليابانيون إظهار الفيلم بأن فتيات الجيشا يتاجرن بأجسادهن، وقالوا إن هذه الظاهرة منافية للحقيقة.

وما عمق غضب اليابانيين أن الملابس اليابانية التقليدية في الفيلم اكتست لمسة غربية محدثة، فالكيمونو ليس محتشما، كما هو في الواقع، وإنما يكشف عن الكثير من المفاتن الأنثوية.

كما أن الممثلات في الفيلم لا يصبغن وجوههن باللون الأبيض المعروف في اليابان وإنما يستخدمن مستحضرات التجميل العادية، ما دفع الصحف اليابانية إلى التعليق إنه “إذلال كبير لكبريائنا الوطني”.

من 80 ألف فتاة إلى ألف

بدأت أعداد فتيات الجيشا الحقيقيات في اليابان بالتلاشي، بعدما كان العدد يبلغ 80 ألفاً في أنحاء اليابان في بداية القرن الـ20، يقتصر العدد الآن على بضعة آلاف، وتقول بعض وكالات السياحة أن “العثور على فتيات جيشا أصليات الآن أصبح أمرا صعبا حيث يوجد حوالي 150 فتاة جيشا و”مايكو”، أي متدرّبة فقط في طوكيو العاصمة.

المصدر: الإمارات اليوم