تقاعدهم وتقاعدنا

آراء

الفرنسيون محتجون على نية حكومتهم رفع سن التقاعد من 62 عاماً إلى 64 عاماً، خرجوا إلى الشوارع يوم أمس في 300 مسيرة، شاركت فيها قطاعات كبيرة، مع التهديد بإضرابات عامة!

نحن مستغربون من ذلك، لأننا نرى حالياً أن 60 عاماً تحتاج إلى زيادة، رغم أنها في أغلب الحالات لا تحدث فرقاً كبيراً، ونعتبر صاحب الستين شاباً وصاحب خبرة، و«مخه كبير»، ولا نلتفت إلى الحواجب التي أبيضت بعد اللحية والشوارب، ولا ننظر إلى التجعدات على ظهر كفه، ولا إلى الهالات السوداء حول عينيه، ولا نسافر في رحلات «كروز» لرؤية الحيتان والدلافين والجزر البدائية، فقد طوينا العالم في شبابنا، لا، بل منذ طفولتنا، عندما كانت عائلاتنا تقضي الصيف في بلدان ومدن ذائعة الصيت، وفي إجازات الأعياد والمناسبات الوطنية ونصف السنة الدراسية ننتقل بين دول المنطقة حتى نصل إلى القاهرة.

مفهومنا للتقاعد يختلف عن المفهوم الغربي، هم يعتقدون أنهم يتحررون من ضغوط الحياة والتزاماتها، ونحن نعتقد أننا «وضعنا على الرف»، هم يعيشون حياة جديدة، ونحن بداخلنا شعور بأننا دخلنا مرحلة «انتهاء الصلاحية»، هم يضعون أمامهم خططاً لرحلات وأعمال حلموا بها في شبابهم ويعملون على تنفيذها بعد تقاعدهم، ونحن نبحث عن «عصا» نتكئ عليها، ونترك لحانا تنمو في كل الاتجاهات، ونبدأ في «العد التنازلي»، وكأننا استلمنا «تذكرة الرحيل» يوم استلمنا قرار الإحالة على التقاعد.

هكذا هم، وهكذا نحن، ظروفهم تختلف عن ظروفنا، وأحلامهم لا تشابه أحلامنا، وحتى نظرتهم إلى العمل لا تتطابق مع نظرتنا، فنحن على قناعة تامة بأن العمر لا يتوقف عند سن معينة، ما دامت الصحة موجودة والحركة قوية والعقل سليم، وهم يريدون أن يتمتعوا بما تبقى لهم من عمر وصحة قبل أن تحتضنهم «دار العجزة»!

المصدر: البيان