محمد الحمادي
محمد الحمادي
رئيس تحرير صحيفة الرؤية

“تنظيم تخريبي” في الإمارات… لماذا!؟

آراء

الهجوم الذي واجهته الإمارات خلال الأيام الماضية من عدد قليل من الخليجيين المحسوبين على التيارات الإسلامية وجماعة “الإخوان المسلمين” -وهو ليس الأول من نوعه خلال عام- لم يكن مبرراً، فقد جاء على إثر إجراء قانوني وقرار للنائب العام في الدولة، فبعد أن صدر أمراً بإلقاء القبض على عدد من المواطنين شكلوا تنظيما يمس أمن الدولة -ويبدو أن أغلبهم من أتباع جماعة “الإخوان”- خرج “إخوان” الخليج ليدافعوا عنهم وبشراسة، تفوق حماسة وشراسة من دافعوا عنهم من الداخل! وبذلك يكون أولئك قد وقعوا في خطأ واضح وهو عدم احترامهم للقضاء الإماراتي، فإلقاء القبض على الأشخاص كان على أساس تهمة معينة، وبقرار من النائب العام، ويجب أن يحترم، فالحكم لم يصدر ضد أحد منهم والأشخاص بريئون حتى تثبت إدانتهم… فلماذا الاستعجال والهجوم والتهجم؟!

المصدر الرسمي الذي أعلن خبر التنظيم قال: “إن النيابة العامة تباشر إجراءات التحقيق مع جماعة أسست وأدارت تنظيماً يهدف إلى ارتكاب جرائم تمس أمن الدولة ومناهضة الدستور والمبادئ الأساسية التي يقوم عليها الحكم في الدولة، فضلا عن ارتباطها وتبعيتها لتنظيمات وأجندات خارجية”. وأكد النائب العام أن “النيابة العامة أمرت بإلقاء القبض عليهم والتحقيق معهم، وأصدرت قراراتها بحبسهم احتياطياً على ذمة التحقيقات في القضية”، وأوضح أن التحقيقات مع تلك المجموعة مستمرة، لكشف “أبعاد المؤامرة التي يستهدفها هذا التنظيم وأعضاؤه”.

إذن المسألة كبيرة وجدية وهذه أول مرة في الإمارات يتم الإعلان فيها عن أعمال كهذه. والحقيقة أن التهم التي بنى عليها النائب العام أمر إلقاء القبض على تلك المجموعة قوية وقد أقلقت كل مواطن ومقيم على هذه الأرض، وبالتالي نستغرب أن يطلب البعض وبشكل هستيري “إطلاق المتهمين فوراً”، ضارباً بعرض الحائط سيادة الدولة وحكم القانون واحترام المؤسسات، فقط لأن من تم إلقاء القبض عليهم من حزبهم!

مجتمع الإمارات صغير والناس تعرف بعضها البعض وربما لا يوجد أحد لا يعرف أحداً ممن ألقي عليهم القبض، وهذا خلق استياءً في المجتمع إذ يفترض في بعضهم أنهم قدوات لآخرين، لذا فإن الكبير والصغير يتساءل ماذا فعل هؤلاء وماذا يريدون؟! ولماذا يشكلون تنظيماً؟! هذه الأسئلة وغيرها أدت إلى عدم تعاطف المجتمع مع المتهمين، فالتهم الموجهة اليهم كبيرة جداً، ومن يحاولون أن يدافعوا عن المتهمين، دفاعهم ضعيف وقد بدؤوا بالدفاع قبل أن ينظروا إلى حيثيات التهم وتفاصيل ما تم ارتكابه فوضعوا أنفسهم موضع الريبة.

الأشخاص الذين ألقي عليهم القبض وهم قيد التحقيق حالياً كان لهم وضعهم في المجتمع، وما داموا ملتزمين بالقواعد الوطنية وبثوابت الدولة سيبقون كذلك، أما إذا ثبت خروجهم عن القانون فلن يساعدهم ذلك في شيء. واعتقاد البعض بأن حالة الفوضى التي تعيشها بعض دول المنطقة ستسمح بخلق حالة مشابهة، اعتقادٌ واهمٌ، فالكلمة النهائية في الإمارات للقانون الذي يسري على الجميع.

المجموعة التي قبض عليها مؤخراً ومن سبق وألقي القبض عليهم، يصرون على أنهم أبرياء! والسؤال: لماذا هم عاجزون عن الدفاع عن أنفسهم طوال هذا الوقت؟! لماذا هم غير قادرين على إثبات عكس ما يقال عنهم؟ لماذا يصرون ترديد القول بأنهم “مستهدفون”؟ ولماذا لا يستطيعون أن يقنعوا أحداً بأنهم من دون كل المواطنين مستهدفون؟ هل لأنهم دعاة إلى الله كما يدعون؟! لا يبدو ذلك صحيحاً، فالدعاة يتحركون في البلاد ويظهرون على شاشات التلفزيون بل وتستضيفهم الدولة في رمضان… إذن هناك خلل ما يجب أن تعترف به تلك المجموعة حتى تستطيع الخروج من هذه الدائرة المفرغة، فحالة العجز الذي تعيش فيه والإنكار المستمر بدون إقناع، حالة غير مجدية.

إن مجرد إعلان الخبر عن وجود مجموعة تخريبية أثار الصدمة لدى كل الإماراتيين وما يزال بعضهم يعيش حالة الصدمة من خبر إلقاء القبض على أولئك الأشخاص الذين منهم شخصيات معروفة. الإعلان عن المجموعة كان مفاجأة، والاتهامات الموجهة إليهم كانت مفاجأة أكبر، والأسماء التي تم إلقاء القبض على أصحابها زادت من هول المفاجأة… وبقي أن يعلن الحكم الذي سيصدر عليهم، فهل يكون أكبر من مفاجأة إلقاء القبض عليهم؟!

المواطن الإماراتي ما يزال لديه ثابتان في التعامل مع القضايا الوطنية الكبرى؛ أولا ثقته في القانون، وثانياً إيمانه بحب قيادته للشعب والتفاني من أجله. لذا لاحظ الجميع أن الإماراتيين تعاملوا مع هذا الوضع الغريب عليهم باستهجان وبتساؤل كبير، فماذا يريد أولئك حتى يشكلوا شبكة ويتعاملوا مع الخارج؟ لماذا يسعون لتخريب بلد آمن مستقر؟ الإماراتيون صدموا من الاتهامات، لذا فإنهم لم يتعاطفوا مع المتهمين، وينتظرون إصدار الأحكام النهائية في حقهم، وإذا تثبت عليهم التهم فلن يغفروا لهم أبداً. وفي المقابل فإن المجتمع يبدي تعاطفاً مع أسر وعائلات المتهمين ويشعر بمعاناتهم الإنسانية، خصوصاً في هذا الشهر الفضيل، لكن التهم الموجهة لأولئك الأشخاص جدية.

المواطن الإماراتي مرتبط بشكل قوي بأرضه وقيادته، ومتمسك بثوابته الوطنية والقومية والدينية، ولا يقبل أن تأتي مجموعات لتستغله وتستغل الأوضاع في المنطقة لتحاول أخذ بلده إلى المجهول. لا يمكن أن يقتنع أي مواطن إماراتي أو أي شخص يعرف الإمارات بأن القبض على أولئك تم بدون وجود “شبهة” استوجبت التحقيق معهم.

البعض يعتبر أولئك الأشخاص بريئين ويدافع عنهم قبل أن يستمع إلى التهم الموجهة إليهم، والبعض الآخر ينظر إليهم كمذنبين يجب القصاص منهم قبل أن يصدر الحكم عليهم! وكل طرف يبالغ في ردة فعله، لكن أولئك الأشخاص ما يزالون متهمين وقيد التحقيق معهم، ومن حق الدولة أن تتخذ إجراءاتها بحبسهم احتياطياً وفي الوقت نفسه من حقهم الدفاع عن أنفسهم والحصول على كامل حقوقهم كموقوفين حتى صدور الحكم. وما هو مطلوب من الجميع الآن هو انتظار ما ستسفر عنه التحقيقات وما سيصدر عن القضاء من أحكام.

المصدر: جريدة الإتحاد