عبدالله القمزي
عبدالله القمزي
كاتب إماراتي

«تويتر» وقضايا الرأي العام

آراء

من سمات العقد الثاني من القرن الـ21 ظهور منصات سوشيال ميديا، وسحبها البساط من تحت الصحف في ما يتعلق بصميم صناعة الأخبار. أحبّ صنّاع الخبر منصة التغريدات وتوجهوا إليها بشكل مباشر.

اختلف الترتيب وأصبحت الصحف هي التي تنقل عن «تويتر»، وليس العكس الذي كان متبعاً منذ أقل من 10 سنوات. استقطب «تويتر» الجميع من صانع القرار والمثقف إلى الصعاليك، وحتى الأطفال الذين لا يعرفون الفرق بين التاء المفتوحة والمربوطة.

اتسعت رقعة المجتمع الافتراضي، وخُيّل إلينا أننا جميعاً متواجدون في ذلك العالم. البعض يراه منصة حرة لإبداء الرأي، وآخر يراه أداة شريرة لإفساد المجتمع، وبينهما من يراه من منظور تقني بحت.

عندما يصدر خبر عادي وليس بالضرورة مثير للجدل، لكنه مثلاً يؤثر في أفراد المجتمع، سواء في أميركا أو هنا في الدولة، ولنعتمد مثال الدولة، فإن الجميع يحتشدون في «تويتر» ويبدون آراءهم، ويتحول الخبر إلى قضية رأي عام. الجهة المسؤولة إما تغرد بتوضيح أو تتجاهل المسألة ويبقى الأمر غامضاً.

المتابع يضيع وسط الجدل الدائر لعدم وجود الوسيط الذي ينظم المسألة. هذا النوع الأول من قضايا الرأي العام على «تويتر».

النوع الثاني: تصدر جهة قراراً يخص فرداً ارتكب خطأ دون توضيح الملابسات الكاملة لما حصل. مثلاً فصل المواطن الوحيد في إدارة أو قسم أو مؤسسة لارتكابه مخالفة. تصدر الجهة قرار الفصل، ويعتبر إجراءً داخلياً.

يتوجه المفصول إلى «تويتر» ويحشد مؤيديه وتكبر كرة الثلج (هاش تاغ أو وسم)، ويتحول قرار الفصل الداخلي إلى قضية رأي عام رغم أنه لا يستحق ذلك، فهو قرار مسّ شخصاً واحداً فقط. الجهة قد تكتفي بتغريدة ولا ترد، والقضية تتضخم على «تويتر»، حتى تغيب الصورة تماماً.

هنا يتضح لنا فشل «تويتر» ومنصات السوشيال ميديا عموماً في إدارة قضايا الرأي العام. فلو دخلت لن تعرف أبداً أين الخلل أو كيف بدأت المشكلة، وبدل ذلك ستنجرف وراء تغريدات صعاليك وأطفال ومندسين من خارج الدولة يسيّسون الأمر لتفاهة تفكيرهم، ولن يتشكل لك رأي واضح أبداً.

في المقابل، لو تناولت الصحف الأمر فسترى التالي: مقدمة تشرح خلفية القضية وتربطها بقضية مشابهة ربما وقعت سابقاً، ثم خبر الفصل مدعوماً بتصريح الجهة المسؤولة ومديرها وتفاصيل التحقيق، ثم آراء قانونيين ومديرين تنفيذيين وخبراء موارد بشرية، وكل من له باع طويل في تلك المسألة، بالإضافة إلى إحصاءات رسمية عن مخالفات مماثلة.

هذا هو الفرق بين تعامل السوشيال ميديا والصحافة مع قضايا المجتمع. الأولى لا تعطيك سوى الضباب وسطحية شديدة، والثانية تعطيك أسطع صورة عن مجتمعك، وثقافة وخلفية لا تظن أبداً أنك في غنى عنها.

بالعربي: السوشيال ميديا لا تعكس أبداً الرأي العام ولا نبض المجتمع، وهي غير مؤهلة للعب دور الصحافة في تثقيف وتعليم المجتمع وتوعيته مادامت منصة تسع الجميع ولا تفرق بين الآراء، أنت لا ترى من خلالها أبعد من السطح، فلا غرابة أن معظم من يعتمدها وحدها لاستقاء المعلومات يُبتلى بالسطحية.

المصدر: الإمارات اليوم