جمعية حماية المجتمع من شيوخ الفتنة

آراء

عرض برنامج الثامنة الذي يديره الأستاذ داود الشريان على إم بي سي مشهداً أقرب إلى أحداث مسرح تراجيدي. أم تستقبل ابنها بعد أن زج به شيوخ الفتنة في واحدة من أقذر الحروب الأهلية. نجاة الابن الصغير من المعركة العبثية التي يديرها أساطين الحقد الأبدي أعجوبة تضاف إلى الأعاجيب التي أدارت حياة كثير من الصغار الذين تم توظيفهم أدوات لتحقيق مجد هؤلاء وثرواتهم. لا يكفي أن تغرورق عيناك بالدموع وأنت تشاهد ذلك المشهد المؤلم. لا يكفي أن تعبر في التويتر أو غيره عن تعاطفك مع هذه الأم التي اختطف طفلها في عتمة العقل وغياب الإحساس بالمسؤولية الإنسانية عند شيوخ الظلام والفتنة، حان الوقت أن تفعل شيئاً.

في أكثر من مجلس تسمع من يقول إن هؤلاء يتاجرون بالدين أو تسمع من يقول إن بعض الآباء سذج بسطاء أو تسمع من يقول إن هؤلاء الأطفال المندفعون ينتسبون إلى عائلات غير مدركة. أي كانت الخلفيات الثقافية والتعليمية للضحايا تبقى مسؤولية حمايتهم مسؤولية الحكومة والمجتمع. عندما نقول الحكومة يسعنا أن نحدد بسهولة الجهات صاحبة المسؤولية (وزارة الداخلية وزارة الشؤون الاجتماعية وزارة الشؤون الإسلامية وربما تضاف إليها بعض الجهات الرسمية الأخرى). لكن من هو المجتمع. قبل أن نحدد من هو المجتمع علينا أن نحدد المأساة. نبدأ بتعريف الجريمة ونسميها باسمها لكي نتمكن من تقديم من يقترفها للقضاء. فالأمر لم يعد ملتبساً بين الأمر الديني وسوء التوظيف. اختطاف الأطفال جريمة فكيف إذا جاء هذا الاختطاف بشكل ممنهج وتحت ذريعة دينية خطيرة. فكما يمكن تقسيم العمل الإجرامي الذي يتم به إعداد الأطفال إلى أن يتم شحنهم يمكننا أيضا أن نسعى إلى تحديد المراحل التي يمر بها الضحية إلى أن يصبح ضحية. ينقسم شيوخ الفتنة إلى مستويات. واحد ينفخ في كلمة جهاد ويصعد بها إلى مرتبة الصلاة والصوم والواجبات الدينية فرض العين. ثم يأتي آخر ويأخذ العلم من هذا ليحدد موقع الجهاد ووجهته ثم يأتي الثالث ويتصيد الأطفال الجاهزين نفسياً ويوظفهم ثم يشحنهم. لا شك أن هذه المراحل الأساسية تتخللها مراحل فرعية كثيرة مخادعة.

إذا كنا طرحنا في يوم من الأيام أخطار المخدرات وأخطار المرور وأخطار الشذوذ وغيرها من مهددات حياة صغار السن فعلينا اليوم أن نضيف خطر شيوخ الفتنة على المجتمع وخاصة على الأسر البسيطة والنائية. خطر هؤلاء هو الأكثر مراوغة وأكثر إمكانية في الانتشار والتغلغل. مروج المخدرات لا يمكن أن يعلن عن نفسه فضلاً أن يعلن عن نفسه في مسجد أو مدرسة أو على وسائل الإعلام بشكل صريح وعلني. بضاعة المروج مدانة حتى من الضحايا أنفسهم. على عكس بضاعة شيوخ الفتنة. تتسلل تحت ظلال القداسة الدينية وباسمها وعلى أرضها. بنى شيوخ الفتنة مجموعة من الحواجز لحماية مشروعهم. بداية حاربوا المثقفين وكتّاب الصحف ووصفوهم بأشنع الأوصاف ثم ألحقوا ذلك بتشويه المسؤولين الحكوميين وتكفيرهم بطريقة أو أخرى. وعندما جاء نفر من الاتجاه الديني يدين أعمالهم ويفضح ممارساتهم التضليلية صار أي طالب علم ديني لا يتفق معهم في الحزب إما منحرفاً أو شيخ حكومة أو جاهلاً لا يعلم ما يعلمون. لا يمكن تقويض تيار تم بناؤه في منطقة الثقة الدينية على مدى سنوات وانزرع في أكثر الوظائف مواجهة لصغار السن حساسية مثل (بعض خطباء مساجد ومدرسين وحتى أساتذة جامعيين وموجهين في حلقات تحفيظ القرآن). لا يمكن دحر هؤلاء بسهولة لأنهم يقبضون على المنابر. حلقات تحفيظ القرآن وحدها تضم أكثر من تسع مئة ألف مراهق قد يندس بعضهم ويستغل بعضها. مهما صرخت ومهما احتججت ومهما ذرفت من الدموع فهؤلاء سيسخرون منك لأن الهدف بين أيديهم لا يسمع إلا صوتهم. نعود إلى السؤال من هو المجتمع الذي يتوجب عليه محاربة هؤلاء وإبعادهم عن صغار السن أو العائلات البسيطة.

تحدثنا قبل سنوات عن شيء اسمه المجتمع المدني. امتلأ الناس حماساً للمفهوم. كل من استوعب الفكرة عبر عن دعمه لها وتمنى أن يشاهد المؤسسات الأهلية التي تسمى المجتمع المدني في كل نواحي حياته. هناك جمعية المنتجين وجمعية الصحفيين وجمعية أصدقاء المرضى وجمعية الأطفال الأيتام فلابد أن إحداث جمعيات تتصدى لهؤلاء مثل جمعية حماية المجتمع من دعوات الجهاد. جمعية حماية الابتعاث من التشوية وجمعية حماية المرأة من الاستلاب وهكذا نكون ساندنا الجهات الحكومية في فضح ممارسات هؤلاء وتياراتهم السياسية المضللة. فتغلغل هؤلاء لا يمكن انتزاعه إلا بتعاون المجتمع نفسه.

هناك فراغات إدارية كثيرة لا تستطيع الحكومة ملؤها. لا يكفي أن أكتب مقالاً عابراً في جريدة يومية عن تعاطفي مع تلك المرأة فتلك المرأة نجت بولدها ولكن هناك آلاف الأمهات المعرضة أمومتهن للاغتيال.

المصدر: الرياض