علي الظفيري
علي الظفيري
كاتب وإعلامي سعودي، وُلد في دولة الكويت في 19 أكتوبر 1975. حصل على بكالوريوس علم نفس تربوي من كلية التربية في جامعة الكويت عام 1997، ثم دبلوم إعلام من جامعة الملك سعود في الرياض عام 1999. عمل في جريدة الوطن السعودية في الفترة من 2002 إلى 2004، وإذاعة وتلفزيون المملكة العربية السعودية ما بين عامي 2000 و2004. يعمل حالياً كمذيع ومقدم برامج سياسية في قناة الجزيرة القطرية.

جيش واحد للجميع!

آراء

في مطلع القرن العشرين، أطلق الشريف الحسين بن علي شرارة مشروع عربي لم يكتب له أن يكتمل، فالثورة العربية الكبرى وإن مثلت أحلام العروبيين في العراق وبلاد الشام متحدة مع طموحات الأشراف في الحجاز، إلا أنها جاءت في سياق صراع القوى الاستعمارية على رسم ملامح المنطقة، وذلك إثر ضعف وأفول الدولة العثمانية وبروز القوى الأوروبية وتنازعها على السيطرة والنفوذ في المنطقة العربية لتقاسم الإرث العثماني فيما بينها، لذا انطفأت أضواء الثورة العربية، لكن الأحلام الوحدوية العربية لم تنطفئ أبدا، وكانت الدولة السعودية أول وأقوى مشروع وحدوي في مطلع القرن الماضي، واستطاع الملك عبدالعزيز أن ينشئ المملكة العربية بالقوة على أجزاء واسعة من جزيرة العرب، ولا يوجد عمل وحدوي في التاريخ إلا عبر القوة، فالأمنيات وحدها لا تبني أوطانا كبرى (الجمهورية العربية المتحدة مثالا)، وبعد تمكن الاستعمار من منطقتنا بدا من الصعوبة بمكان إنجاز مشاريع وحدوية كبرى، فتغلغلت القُطرية وتكرست بشكل كبير، وأصبحت الأوطان والهويات الاصطناعية حتمية ونهائية عند كثير منا، وأصبح الفرنسي «جورج بيكو» والإنجليزي «مارك سايكس» جزءا من شجرة عائلة العربي ونسبه!
واليوم، وبعد أن أسدل الستار على قرن عربي من الخيبات والفشل، سواء على صعيد الدولة الوطنية أو المشاريع الوحدوية، يبدو الحديث عن أي مشروع وحدوي نوعا من اليوتوبيا التي لا مكان لها على أرض الواقع، وهذا غير صحيح على الإطلاق، يمكن أن تقوم مشاريع وحدوية في المنطقة وبكل سهولة، فقط حالما تتوفر الإرادة والحاجة لذلك، والإرادة تنبع من الحاجة والعمل الدؤوب على تحقيقها، لا على التمني وتفريغ الأفكار العظيمة من قوتها وأثرها، وفي الجزيرة العربية يمكن القول إن ثمة أرضا خصبة لإقامة مشروع وحدوي حقيقي آن الأوان للعمل على الدفع به بشكل جدي.
وأول وأكبر عقبة يمكن أن تواجه الوحدة في الجزيرة العربية هي «السيادات» المتناثرة على أوطان سبعة هي مجموع الدول الخليجية زائدا اليمن، وهذا ما عطل عملية الاندماج والتكامل الحقيقية في مجلس التعاون منذ إنشائه مطلع الثمانينيات، والسيادة على وطن لا يمكن انتزاعها بسهولة مهما صغر حجم هذا الوطن أو قلت ثرواته، يكفي أنها سيادة ذات علم وطني يرفرف في الأمم المتحدة، ولصاحبها حق يوازي حق الولايات المتحدة أو الصين وروسيا! لا بأس، فالأمن كفيل بتجاوز هذه العقبة.
لا يتحد الناس في حالة القوة على الإطلاق، ما يوحدهم هو الخوف، وفي منطقة الخليج تبدو واضحةً هواجس الأمن المزمنة، ألم تختلف دول الخليج في كل الأشياء وأبسطها ولكنها توحدت في المنظومة الأمنية الدفاعية؟ حدث ذلك منذ أن تسلمت الولايات المتحدة الراية من بريطانيا، فأصبح أمن الخليج مهمة أميركية صرفة، وكان اليمن خارج هذه المنظومة لكنه اليوم -لأسباب تتعلق بالبقاء- انضوى تحت المظلة الأمنية ذاتها. العراق لم يفعل ذلك وحده، فكان أن تطوعت واشنطن لهذا الأمر! إذاً ما نريده أن يتوحد الجميع أمنياً، لكن تحت راية أخرى، يمكن العمل على ذلك.
يمكن أن يكون إنشاء منظومة أمنية خليجية قوية ومستقلة هاجسا لدى شعوب المنطقة، ويمكن العمل على إقناع الدول بضرورة إنشاء هذه المنظومة، فلا يمكن لدول الخليج واليمن إيجاد جيش وطني قادر على حماية البلد والدفاع عنه، وأثبتت التجارب على مدى نصف قرن أن هذا الأمر لن يحدث في أي دولة من الدول، ماذا لو كان هذا الأمر قاعدة لإنشاء قوة عسكرية جامعة وفق قاعدة حماية الجميع؟ يمكن للخليجيين واليمن توفير الأعداد اللازمة لهذه المنظومة وتمويل تسليحها بشكل ممتاز، ووضع القواعد والضوابط المحددة والمقيدة لعمل هذه المؤسسة، أولها وأهمها أن يكون جيشا موحدا وبقيادة واحدة مشتركة بين الجميع، ونأخذه بعيداً من عقدة السيادة التي قضت على كل أحلامنا، يمكن لجيش مثل هذا أن يكون مؤسسة وحدوية تنصهر فيها اختلافاتنا وتناقضاتنا الكثيرة.
هذا ليس وهماً أو حلماً لا يمكن تصديقه، الأوهام هي ما تعيشه دول الخليج منذ نصف قرن وما زالت، وآن الأوان لإزالتها من رؤوسنا.

العرب القطرية