عثمان ميرغني
عثمان ميرغني
كاتب في صحيفة الشرق الأوسط

حرب لن يخوضها غيرنا

آراء

التقرير الصادر قبل يومين عن مؤشر الإرهاب في العالم الذي يشير إلى مقتل 107 آلاف شخص في 48 ألف عملية إرهابية منذ عام 2000 وحتى نهاية العام الماضي، قد يكون مرعبا لكنه ليس مفاجئا. فإذا استثنينا الحروب والشحن الطائفي، يصبح الإرهاب هو العدو الأكبر المهدد لاستقرار الكثير من الدول في العالمين العربي والإسلامي اللذين عانيا العدد الأعلى من العمليات ومن الضحايا. خلال العام الماضي وحده قتل 18 ألف شخص في 10 آلاف عملية إرهابية معظمهم بالطبع في دول عربية وإسلامية مما يطرح أسئلة جدية حول الجهود المبذولة لمواجهة هذه الآفة.

الدول العربية والإسلامية، كما تؤكد الإحصائيات، هي المعنية أكثر من غيرها بالخطر الإرهابي الراهن أو الآتي بالنظر إلى النشاط المتزايد لحركات التطرف والإرهاب، خصوصا منذ الربيع العربي وما صاحبه وأعقبه من فوضى وحروب وصراعات سياسية أو طائفية. هناك جهود منفردة، وقد يكون هناك تعاون أمني ظاهر أو مستتر بين بعض الدول العربية والإسلامية، لكن العمل الجماعي الحقيقي يبقى غائبا رغم أنه لا يغيب عن بال أحد أنه لا يمكن لدولة منفردة مواجهة ظاهرة عالمية معقدة ومتشابكة مثل الإرهاب.

المنظمات العربية والإسلامية تنجح في سياسة البيانات، بينما الدول الأفريقية مثلا نجحت في تشكيل قوات مشتركة لمواجهة تهديد، أو وقف تمدد حركات التطرف سواء في الصومال أو مالي أو نيجيريا. الحقيقة المريرة أن الخلافات والصراعات والشكوك تمنع العمل المشترك بين الدول العربية وأيضا بين الدول الإسلامية. الأسوأ من ذلك أنه بسبب هذه الخلافات والصراعات تقوم بعض الدول بدعم وتمويل منظمات متطرفة وتسهم بالتالي في تنامي الإرهاب. فتداخل الحسابات والصراعات الإقليمية من بين الأسباب التي سمحت لـ«داعش» وغيرها من المنظمات المتطرفة بالتنامي في سوريا والعراق وليبيا واليمن، كما أن «القاعدة» وجدت في الماضي ملاذا في دول إسلامية، و«دعما» إعلاميا من وسائل إعلام عربية.

الجهد العسكري والأمني على أهميته لن ينجح وحده في القضاء على الإرهاب والتطرف مثلما أثبتت التجارب. معهد الاقتصاد والسلام الذي أعد التقرير المذكور في بداية هذا المقال، أورد إحصائية مهمة، مشيرا إلى أنه منذ ستينات القرن الماضي انتهت أو توقفت معظم المنظمات الإرهابية لأسباب أو معالجات سياسية، بينما دحرت نسبة 7 في المائة فقط باستخدام القوة العسكرية. لعلاج الظاهرة لا بد من حصر أسبابها وجذورها ومن ثم التصدي لها، بجهود داخلية وبجهد جماعي يعالج الجوانب الفكرية ويتصدى لمنظري التطرف والإرهاب وفكرهم المختل والمضلل. هناك أيضا الطائفية التي تنخر في المنطقة وباتت مهددا حقيقيا للاستقرار، والتصدي لها بات أمرا ملحا يتطلب جهدا فكريا وسياسيا داخليا في الدول المعنية، وجماعيا تحت مظلة منظمات إقليمية مثل منظمة التعاون الإسلامي.

الكثير من وسائل الإعلام والمحللين وحتى بعض السياسيين في الغرب درجوا على ربط الإرهاب والتطرف بالإسلام كدين وذلك في تبسيط مخل أو تشويه متعمد في بعض الأحيان، لكن اللافت في تقرير معهد الاقتصاد والسلام أنه لا يعتبر الدين، أو ما يصفه بـ«الآيديولوجية الدينية»، الدافع الوحيد وراء الإرهاب. صحيح أن العامل الديني يلعب دورا أساسيا، لكن هناك أيضا عوامل العداوات العرقية أو الإثنية، وهناك الفوضى والعنف السياسي، وهناك القمع ومشاعر الغبن التي تسهم بدورها في بروز منظمات متطرفة تلجأ للإرهاب. التقرير أيضا أكد ما بات معروفا من أن الإرهاب لا يرتبط أساسا بمعدلات الفقر، أو انخفاض مستويات التعليم، فهناك دول فقيرة لا تعتبر مفارخ للتطرف، وأخرى غنية تعاني من وقوع شبابها في شباك الإرهاب. إرهابيو اليوم لا ينقصهم التعليم، ويتحدر كثير منهم من أسر متوسطة الحال لكنها ليست فقيرة، وإن كان ذلك لا ينفي أن تنظيمات التطرف والإرهاب تستغل بؤر الفقر وبطالة الشباب لتحريك مشاعر الغبن.

مواجهة الإرهاب مسؤولية عربية وإسلامية في المقام الأول، ليس فقط لأن المنظمات الأربع المسؤولة عن 66 في المائة من عمليات الإرهاب (داعش والقاعدة وطالبان وبوكو حرام) تحارب زورا وبهتانا تحت راية إسلامية، أو لأن 80 في المائة من ضحايا الإرهاب قتلوا في خمس دول أربع منها إسلامية (العراق وسوريا وأفغانستان وباكستان) والخامسة دولة إسلامية – مسيحية هي نيجيريا.. ليس هذا فحسب بل لأن هزيمة الإرهاب فكريا وتبرئة الإسلام منه ومن التشويه الذي طاله بسببه، لن تتحقق إلا بجهد عربي وإسلامي جامع وشامل ومكثف. لن يحارب أحد هذه الآفة نيابة عنا، أو بحرص أكثر منا، بل إن الحرب الغربية على الإرهاب حتى وإن تجردت من حسابات المصالح، فإنها لن تقضي عليه، لأنها لسبب أو لآخر باتت عاملا يتغذى منه شيوخ التطرف والإرهاب. المسؤولية أولا وأخيرا تقع على عاتق العالمين العربي والإسلامي.

المصدر: الشرق الأوسط
http://classic.aawsat.com/leader.asp?section=3&issueno=13141&article=795147