حسن نصر الله.. نتاج البيئة الطائفية

آراء

حسن نصر الله يتهم ثورة الشارع اللبناني بأنها ممّولة وتسيّر من الخارج، وقام بالتلويح ببطاقة الحرب الأهلية وبأنه الطرف الأقوى في المعادلة السياسية، ومن يحدّد كيف يحكم لبنان واضعاً من ينادي بالتغيير ضمن الإقامة الجبرية للفكر المنفرد، وتوجهّات حزبه الذي يهيمن بحضور طاغٍ في كل مؤسسات الدولة ويتحكّم بالسياسة والاقتصاد، وكانت رسالته أقرب للتوبيخ والوعظ الكاذب لبقاء العهد البائد، وقد أعطيت الأوامر لعناصره لكي تحول الثورة السلمية لصراع دموي وتأجيج شبيحة «حزب الله» المتنكرين بملابس الجيش والشرطة الوضع، ناهيك عن المندسين من حزبه بين المتظاهرين واختراق الحزب للجيش والأجهزة الأمنية، وتواجد كبير في الأجهزة الشرطية البلدية.

فقد تستطيع ذيول الحزب تعطيل الاحتجاجات، ولكنهم سيكونون مجرد موانئ تقف في وجه طوفان يكبر كل دقيقة حتى يعبر الموانئ، ويصل لكل بيت، وخاصةً أن في يد المتظاهرين أهم سلاح وهو العصيان المدني، ووقف التعامل مع مؤسسات الأحزاب ومصالح رموزها التجارية والصناعية التي تغصّ بها البلاد.

وهذه المصالح تكاد تكون كماشة لا يستطيع الاقتصاد المحلي التحرّك دون إذن منها، والامتناع عن دفع أية مبالغ للخدمات تعبيراً عن واقع مرير يعيشه هذا الشعب من خدمات متردية وبنى تحتية متدنية، إلى معدل بطالة غير مسبوق ونسبة فقر مرتفعة وغلاء للمعيشة، وتنمية معطلة لدولة أصبحت تعتمد على الاقتراض والإعانات والمساعدات الخارجية، ومن ثم تعود لتدفع تلك المبالغ لسداد التزاماتها في دائرة مغلقة -بعد المحاصصة- منذ الثمانينيات للسيطرة على ثروات ومقدرّات البلد من خلال بوابة السياسة، وتركها تعوم في بحر من القمامة.

فالطائفية هي حصان طروادة للفساد السياسي في لبنان وهي «حصن أمان» لن تتنازل عنه الأحزاب، ولا بدّ أن يأتي التغيير من القاع للقمة وحسن نصر الله ليس سوى نتاج لهذه البيئة، وهو الذي كانت أسرته الفقيرة تحلم بأن يصبح طبيباً، ولكنه أراد أن يصبح زعيماً دينياً، وينال أعلى المراتب الدينية، وهو الحلم الذي لم يتحقق بعد على الرغم من الهجرة المبكرة لتحصيل العلوم الدينية ووصوله إلى مدينة النجف في العراق بعد المرحلة الثانوية، ومكوثه هناك لمدة قصيرة حصل من خلالها على إجازة مبدئية في عام 1978 تحت إشراف مرشده الروحي السابق «السيد عباس الموسوي»، وقد كانت «النجف» من مراكز الفرز المبدئي للقيادات التي ستصبح لاحقاً عامل الحجب والخسوف في القمر السنيّ وقيادات الصعود لإكمال الهلال الشيعي.

وبعد النجف، عاد نصر الله إلى لبنان، والتحق بالحوزة الدينية في بعلبك، وهناك تابع حياته العلمية معلماً وطالباً لتقوده الأقدار لاحقاً ليكون مع معلمه «عباس الموسوي» من المؤسسين لتنظيم «حزب الله» في عام 1982، وكان حسن نصر الله ضمن رادار الرصد لحركة أمل (أفواج المقاومة اللبنانية) الشيعية، وقد حاو بعد ذلك السفر إلى الخارج لإكمال تحصيله العلمي، ولكن التطورات الحاصلة على الساحة اللبنانية خصوصًا النزاعات المسلّحة بين «حزب الله» وحركة «أمل» اضطرته للعودة مجدداً إلى لبنان، ولتحقيق حلمه القديم، وهو أن يصبح مرجعية قومية للعرب الشيعة ويحقق حلم دولة الخلافة الفاطمية الثالثة.

وفيما يخصّ المكانة التي يحظى بها حسن نصر الله، فسوف تتعرض لهزة كبيرة بعد وقوفه ضد صوت الشعب، أضف إلى ذلك حدوث شرخ داخلي بين الشيعة وقيام الثورة العراقية في التوقيت نفسه وما هو إلّا مؤشر لتطور يمكن تسميته «ربيعاً مذهبياً» عربياً قادماً بقوة، وقد يكون نصر الله يحظى بقبول يتعلق بما قام به في المقاومة حتى لدى المسيحيين، وبنسبة تفوق نظرائهم المسلمين السُنة في لبنان، وهو من يملك جيشا إعلاميا جرّارا، ويستخدم جميع الوسائل المتاحة لجذب أكبر قاعدة جماهيرية لما يقوم به من مغامرات مع الجانب الإسرائيلي، ولكن الغريب أنه يردد شعارات تحرير فلسطين بينما الأراضي اللبنانية المجاورة له مثل «مزارع شبعا» و«تلال كفر شوبا» محتّلة من قبل إسرائيل! ولم نسمع عن أنه حرّك قواته ووجه صواريخه الفتّاكة لتحرير أراضي وطنه المحتلة! أم أنه ينتظر أن يحصل على لقب ديني رسمياً حتى يعلن الجهاد لتحرير أراضي لبنان المحتلة؟ ولسان حال الشعب اللبناني يقول: «إذا أردت تحرير وطن فضع في مسدسك عشر رصاصات، تسع للخونة وواحدة للعدو، فلولا خونة الداخل ما تجرّأ عليك عدو الخارج».

المصدر: الاتحاد