حوار عن تنمية الاقتصاد العربي – آيه السيهاتي

أخبار

منذ عدّة أيام، شاركتُ في مؤتمر قمة السي ثري في مدينة نيويورك الأمريكية، وكان ضيف الشرف فيه الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون. تركّز محور المؤتمر حول الدعم والاستثمار الاستراتيجي الذي تقدمه الشركات والمؤسسات المالية العالمية في الشرق الأوسط. كان الحديث شيقاً وتضّمن الكثير من الجوانب الاجتماعية والسياسية الجيوستراتيجية خاصة في ظل الأحداث الراهنة قرب سفارات الولايات المتحدة في كل من مصر وتونس.

أبديت، في كلمتي القصيرة، رأيي في الأولويّات التي يجب التركيز عليها لتقوية الاقتصاد العربي غير البترولي، مع الأخذ في الحسبان أن العالم العربي بحاجة إلى خلق مئة مليون وظيفة خلال السنوات الثمان القادمة. كما تظهر إحصائية مهمة للبنك الدولي أن نسبة ماتصدره الدول العربية (باستثناء البترول) لا تزيد عن واحد بالمئة من إجمالي قيمة التصدير العالمي. سأشارك هنا ببعض هذه الأولويات وبأمثلة مبّسطة تلخص تلك المفاهيم وتفسر الدلالات التي تشير إليها هذه الإحصائية وغيرها.

أولا: عدم وجود اتفاقيات تجارة حرة بين الدول العربية وبعضها البعض

ستظل المنتجات العربية واحتمالات نموّها أسيرة لسبب رئيس هو عدم وجود اتفاقيات للتجارة الحرة ما بين الدول العربية وبعضها البعض. كيف يمكن للمنتجات العربية أن تتنافس على المستوى العالمي إن لم تستطع أن تتنافس على المستوى العربي؟ فتلك المنافسة ستساعد، بلا شك، وبشكل كبير في تحسين وتطوير جودة تلك المنتجات. وفي حين أن بعض السياسات الحمائية غير المؤقتة قد تفيد الاقتصاد المحلي بشكل سطحي وفوري، إلا أنه من منطلق التنمية الاقتصادية على المدى المتوسط والبعيد، من المحبذ أن يجف الحبر على اتفاقيات التجارة الإقليمية الحرة بأسرع وقت ممكن. وقد حان الوقت لهذة القفزة النوعية الجريئة.

ثانياً: عدم وجود منصات صناعية، تسويقية وتصديرية ذات مستوى عالمي

إن عدم وجود منصات صناعية، تسويقية وتصديرية نموذجية ذات مستويات عالمية لدعم الإنتاج العربي هو سبب آخر لتهالك الاقتصاد العربي. ففي مجال الأزياء، على سبيل المثال، هناك الكثير من المصممين الموهوبين الذين يسّوقون منتجاتهم بأنفسهم وينجحون على مستوى منطقتهم أو على المستوى الإقليمي، ولكن لا توجد منصة مهنية عربية توازي LVMH أو Gucci Group تتبى هذه النجاحات و تنّسق سلاسل التوريد وتأخذ تلك المنتجات إلى العالمية. إن وجود منصة كهذه لن يخدم المصممين فحسب، بل سيساعد آلاف المصانع في مختلف أرجاء الشرق الأوسط (پرادا على سبيل المثال تتعامل مع أكثر من أربعين مصنعاً لتغطية إنتاجها من الأحذية النسائية فقط، فما بالك بعدد المصانع التي تنّشطها لجميع مشتقاتها الإنتاجية الأخرى؟ هذه النقطة تذكرني بمهارات الأرمنيين بلبنان في مجال الجلديات وكيف يمكن تقوية ذلك الإنتاج عبر تكاتف الجميع معاً).

بالإضافة إلى ذلك، فإن المنصة لن تساعد على خلق وظائف حرفية بسيطة فقط كما يعتقد الكثير، بل سوف تخلق آلاف الوظائف الممتازة لجذت الكفاءات المتنوعة من الإداراة التنفيذية إلى المحاماة وسلاسل التوريد والتسويق وغيرها. وستوفر تلك الشركات وظائف لكافة التخصصات والمستويات التعليمية سواء خريجي كلية هارڤارد لإدارة العمال أو خريجي الجامعات المحلية في التخصصات المختلفة.

تخيل النتيجة لو أننا أنشأنا منصة نموذجية واحدة على الأقل لكل قطاع؛ فمنصة للأثاث، على سبيل المثال، ستعمل على تنشيط قطاع الأثاث الدمياطي أو السوري وغيره وتسوّقه عالمياً بطريقة حديثة وجذّابة ومبتكرة. ولن تقوم تلك المنصة بالتوزيع للإستهلاك الفردي فحسب بل ستتعاقد لتغطية الاستهلاك الصناعي للشركات والفنادق وغير ذلك من مؤسسات.

ذكر السيّد حسين قرغولي، رئيس مجلس الأعمال الأمريكي في العراق، أن بغداد بحاجة ماسة للخدمات الفندقية. فبالمقارنة مع دبي والتي تضم ٦٥ ألف غرفة فندقية، لا يوجد في بغداد في الوقت الحالي سوى أربعة آلاف غرفة فقط وتحتاج إلى المزيد. هذة فرصة تنموية هائلة. فبجانب العمران، لو كانت لدينا منصة للأثاث والإضاءة وما إلى ذلك من كماليات، سيستطيع الشباب الماهر على مستوى الإدارات التنفيذية تيسير عقود تفيد مجتمعاتنا ومصانعنا وكل مستثمري وإداريي المنصة على مختلف تشكيلهم المهني.

هذه فقط بعض الأمثلة البسيطة لتوضيح الصورة، فمع بعض التنسيق، لا توجد حدود للاحتمالات التنموية الإقليمية. علماً أن الكثير من المؤسسات المالية العالمية تهدف بشكل عام لجذب الأموال العربية للإستثمار معها، بينما هدفي أنا وأولئك المهتمين بمجتمعنا هو خلق أعمال حقيقية لشبابنا العربي على أرض الواقع وليس فقط المنفعة المادية السريعة أو التي تقتصر على المجالات المتوقعه (والمهّمة) كالبتروليات وتقنية الإنترنت وقطاع الإستثمار البنكي.

لنواكب المجتمعات الحديثة الأخرى ونتنافس معها تجارياً بشكل أوسع ونخلق وظائف لكل
شرائح المجتمع بتنوعهم التعليمي والتأهيلي. إقليمنا بحاجة ماسة إلى تجارة إقليمية حرة ولخلق منّصات نموذجية حديثة، فهاتان الخطوتان من صميم البنية التحتية الضرورية للتنمية الاقتصادية النوعية و الشاملة.

خاص لــ (الهتلان بوست)