سمير عطا الله
سمير عطا الله
كاتب لبناني

حيث يُخطف رئيس الوزراء ويشكر خاطفيه

آراء

ليس لدى الناس وقت للتأمل والمقارنة. لذلك، كلما وقع حدث مثل خطف رئيس الوزراء الليبي، قال البعض، سقى الله الأمن أيام القذافي. البعض يترحم على صدام حسين. والإندونيسيون يقولون، إن السلع كانت أرخص أيام سوهارتو.

صحيح. لكن منذ سقوط سوهارتو إلى اليوم، أصبح نصف السكان في عداد الطبقة المتوسطة، ولا يزال نصفهم الآخر يعيش دون دولارين في اليوم. السبب مرحلة الخواء والفساد زمن سوهارتو.

ليبيا اليوم دولة مضطربة ومتدهورة بسبب معمر القذافي. هو من ألغى الحياة السياسية والاجتماعية والفكرية والاقتصادية. جماهيريته كانت ظالمة لا آمنة، وفارغة وخاوية ولا يمكن أن تأتي بعدها دولة بل الخراب الذي نراه.

الديكتاتور العربي يمضي السنوات في إقامة دولة لا يمكن أن تحكم إلا بطريقته. لذلك لم يذهب ديكتاتور وبقيت الدول من بعده. إذن الديكتاتور يمضي أيامه في عدم وجود المؤسسات التي تتكون منها الدول: القضاء والتعليم والأمن والجيش. يعتبرها جميعا أعداء مباشرين له. هل سمعت عن القضاء في سوريا؟ وفي كم اتجاه أرسل صدام حسين الجيش؟ وصاحب الخيمة في ليبيا جعل خيمته المؤسسة الوحيدة المعروضة على الداخل والخارج. خيام ولجان ومحاكم ثورية.. أجلكم الله. طبعا ليبيا ستكون كما هي اليوم.

كان الزميل محمود شمام يتحدث بعد اندلاع الثورة عما سيفعل هو ورفاقه في ليبيا، وكنت أقول له غدا تذهب ولن تجد في انتظارك ليبيا التي عرفتها. لقد نسيت كيف تكون الدول ولم تعد تعرف شيئا عن القوانين الطبيعية. كان أكثر المشاهد تأثيرا الحوارات مع حفيد عمر المختار: الرجل البسيط باللباس الوطني يقول لمحاوريه: إن الإيطاليين قتلوا جده، والعقيد الفريد قتل البلاد. كيف يمكن أن يبني لكم دولة، أو أن يرث دولة، رجل لا يعرف سوى البلطجة؟ كيف يمكن أن يحب شعبه رجل شعاره مسدس وصديقه مسدس وحلوله مسدس؟ في النهاية ماذا نفع المسدس؟ رجل في حفرة، ورجل في مصرف صحي. ليتهما، وليت غيرهما، قدما لحكمهما. ليتهما وليتهم جميعا. يظن الحاكم العربي أنه يملك الأبد، لكن الأبد لا يملكه سوى صاحبه وحده. كان سيف الإسلام يعدنا بأنه سيتولى الحكم لكن الأخ القائد يبقى ملهم الثورة. ثورة الفاتح واللجان و«الكتاب الأخضر» والسجن الذي يبلغ نصف مساحة أوروبا. أتمنى أن يرأف به سجانوه. لا معنى ولا مبرر لليبيا إن كانت ستكرر تلك الفظاعة المبكية التي استمرت في إضحاك الناس بمرارة أربعة عقود. لم تتأثر أوروبا الشرقية كثيرا بعد سقوط ظلامها وجلاديها، لأن الجلاد أبقى على القضاء والجيش وخصوصا على التعليم. المرجع الأكبر في أميركا هو مكتبة (الكونغرس) فيها 110 ملايين كتاب. وعندما قرر توماس جيفرسون أن يقدم هدية إلى بلده قدم مكتبته. صاحب الفاتح قدم «الكتاب الأخضر».

المصدر: صحيفة الشرق الأوسط