ناصر الظاهري
ناصر الظاهري
كاتب إماراتي

خميسيات

آراء

من الأمور التي تضايق الكثيرين تلك الطاولة التي تضلع ما أن تحاول أن تجلس حولها، وتكون قد تكبدت عناء حجزها، واختيار زاويتها ومكانها في مطعم أو مقهى، تقول إنها تظهر للواحد في الحظ، وأعرف صديقاً هولندياً، ممن تعدوا الستين، وممن يعشقون جلسة المقاهي بعد تقاعده، ويتفنن في اختيار مطاعم العشاء، وتثيره مثل تلك الطاولة التي تترجرج، ولا تجلس مستقيمة للحظة، وتظل تهبع كلما وضعت مرفقك عليها، ومرات تظل أنت ومن تجلس أمامك، وحولك تحاولون جاهدين إصلاح الأمور، لكن دون فائدة، فيأتي النادل، ويصلحها بوضع أي شيء تحت رجلها، ولا يعتذر، صديقي الهولندي هذا لا يذهب إلى مطعم أو مقهى دون أن يحمل في جيبه خشبة صغيرة لإصلاح طاولته التي تتمايل، وإن كانت طاولته صحيحة، وطاولة جيرانه في المقهى ترقص، قام وتبرع من نفسه، وأخرج تلك الخشبة من جيب معطفه، وزرعها تحت رجل الطاولة، ولقد تعجب منه، كيف له كل هذا الصبر، ودائماً أقول: «أش كاظنه على هالنشبة»، لكن مرات أقول: «بصراحة أنا ما صادقته إلا علشان تلك الخشبة»!

مررت في إحدى العواصم الأوروبية بمجمع سكني جميل، عمارات شاهقة، ومحاطة بالأشجار، والحدائق الغناء، وأشبه بأي حي راق يتمنى الإنسان سكناه، فسألت سائق السيارة، بكم يباع هنا المتر المربع؟ ليس من أجل الشراء، ولكن من باب الفضول، ولكي أتشارك مع السائق في ثرثرته التي لا تتوقف، فقال: «هذا المجمع السكني ليس للبيع، وليس باستطاعة أي واحد أن يسكنه، وبصراحة ممنوع على المواطنين الصالحين، هذا سجن المدينة» فبُهت الذي سأل، معقول سجن هذا أم سكن! رغم أن اللغة تفرّق بينهما بحرف واحد، لكن شتان بين عيشة الحرية، وقفص الانتظار، وحاولت تذكر سيرة السجون عبر حضارات الإنسان المختلفة، من كهوف في الجبال، ومغارات، ومبان تحت الأرض، أو نائية، حيث الظلمة والرطوبة والبرودة القارسة، ومنع أشعة الشمس، وتجويع أو أكل حيوانات، ومحاولة الحرمان من كل شيء، إلى أن أصبحت العقوبة اليوم أكثر إنسانية، وغدا السجن أقرب للنزل والفندق، بحيث يمكن من خلاله أن تدير عملك، وتتواصل مع العالم، وتحق لك الخلوة الشرعية، والإنجاب، لذا تجد سجون الغرب، مليئة بالمواطنين الأفارقة والآسيويين والعرب، لأنهم لا يجدون منازل أجمل منها في بلدانهم المنكوبة، والمسيجة بالحديد والفقر والذل!

الأول نقول: «العيوز مب من خذها، من إفتَكّ منها»، الآن نقول: «القروب مب من دخله، من تحمل صدعته، وكثرة رسائله، وخرج منه»!

المصدر: صحيفة الإتحاد