جمال خاشقجي
جمال خاشقجي
كاتب سعودي ويشغل حالياً منصب مدير قناة "العرب" الإخبارية

خواطر «قلقة» في ذهن أحد أبناء الطائفة!

آراء

اِجمَعْ عدداً من الخبراء الاستراتيجيين ورجال السياسة واسألهم، كم من الوقت حتى يسقط بشار الأسد؟ سيختلفون، إلا على شيء واحد، وهو أن فخامته يريد أن ينتصر والأدهى أنه يعتقد أنه سينتصر.

أمر آخر متفق عليه، أنه لا يحارب ويدافع بشراسة عن «رئاسته» وإنما عن مصلحة الطائفة، فهو يعلم أن كبار الطائفة هم الذين نصبوه رئيساً من أجلهم، ليس لأنه الأذكى والأحق، وإنما لأنهم لم يستطيعوا أن يقدموا أحدهم للمنصب ويتفقوا عليه من غير «انقلاب»، لذلك قدموا طبيب العيون على الجنرالات ورجال الأمن، لمجرد أنه ابن الرئيس الذي فعل المستحيل وغير مسار التاريخ لمصلحة الطائفة المهمشة.

إنه يقاتل ويناور ويكذب من أجل الطائفة، ما يحد من قدرته على التفاوض وقبول أنصاف الحلول (لذلك لا ينبغي توقع الكثير من إعلان مبعوث الأمم المتحدة كوفي أنان أن النظام قبل بخطته للسلام)، ففي حالة الأسد، حين تحكم أقلية الغالبية بالقوة، تختصر اختياراتها بين النصر أو… الموت، «موتنا جميعاً، نحن أبناء الطائفة، بالطبع لن نموت جميعاً، ولكن خسارتنا تعني الهزيمة والهوان والانتقام. القادرون منا سيهاجرون، ربما ننحاز إلى جبالنا، هل ستحمينا الغالبية عندما تستعيد الدولة؟
لا أحد يعرف، كل ما نعرفه الآن أنه يجب أن نقاتل وبشراسة»، هكذا يمكن أن يتحدث ويفكر علي دوبا مثلاً، رئيس الاستخبارات السابق أو غيره من كبار الطائفة، حتى غير الراضين عما آلت إليه الأحداث، ربما هم غاضبون من الرئيس، لكنهم لن ينقلبوا عليه، فحينها سيسقطون جميعاً. المثقفون منهم يطرحون فكرة التفاوض، ويتعرضون لغضب كبار الطائفة الذين يتهمونهم بالخيانة. حتى الآن الطائفة في يد رجال الأمن والعسكر، لا المثقفين. مصادر تقول إن معظمهم يعذرون الرئيس وشقيقه ماهر الذي يقود المواجهة بالدم، فرأيهم أن الوضع غير ما واجه والدهما، العسكري المحترف، حافظ الأسد من أواخر السبعينات حتى حماة 1982، ولسان حالهم يقول: نحن لا نواجه «الإخوان المسلمين» فقط، وإنما كل الشعب هذه المرة، صحيح أن فقراء السنة هم من تصدر الثورة وكانوا وقودها، لكنها امتدت لتشمل الجميع، حتى أولئك المنتفعين معنا في الغنيمة والثروة، إنهم ينتظرون اللحظة الآمنة للانقلاب علينا. الأقليات الأخرى، الشيء نفسه، لن يقاتلوا من أجلنا، إنهم صامتون خائفون قلقون، لكنهم سيركبون خلف المنتصر، لن يحارب غيرنا. هؤلاء المنتفعون في لندن وباريس اليوم يكلفون المحامين وشركات العلاقات العامة تنظيف أسمائهم ورفعها من قوائم العقوبات، لم ينتظروا حتى انهيار النظام الذي سمّنهم، أمّنوا أبناءهم في دبي وبيروت بينما نحن نواجه فقراء السنة الغاضبين.

في مواجهة حماة 82 دفع حافظ وأخوه رفعت، بالأكراد وأبناء البادية لكسر الحمويين، بعضنا يرى ذلك اليوم بأنه دهاء من حافظ وأخيه، لكن كان ذلك ممكناً يومها، ليتنا نستطيع تكراره مرة أخرى، بالطبع لن نستطيع، إنها ليست حماة وحدها، بل كل سورية. الأكراد ليسوا معنا، بدأوا يتفاوضون مع المجلس الوطني حول المستقبل، وكذلك العشائر. المنطقة من القامشلي حتى الرقة تكاد تكون خارج سيطرة «دولتنا».

من الخطأ أن نتلاوم، فنلوم بشار وماهر إن استخدما أبناء الطائفة، فعلا الشيء الصحيح والممكن، فهي ثورة ضدنا، يجب أن نعترف بذلك، ليس الشيخ السلفي العرعور الذي يكره الطائفة وحده والذي يبث كراهيته لنا من خلال فضائيته، كلهم يكرهوننا ولكنهم أدهى منه، ينتظرون لحظة النصر، يقولون إنهم ضد الطائفية وإن سورية ستكون للجميع، ولكن لن نصدقهم، لا خيار غير أن نقاتل جميعاً عن دولتنا وزماننا.

ولكن هل يمكن أن ننتصر؟ هل يمكن حتى أن نعتصم بجبالنا لتحمينا مثلما حمتنا يوماً من الأيوبيين ثم المماليك وأخيراً الأتراك؟ في زمن الدولة القومية، وصعود الإسلام السياسي والديموقراطية، والأدهى السلاح الحديث، هل يمكن أن تحمينا الجبال والحصون؟

أسئلة صعبة تواجه العلوي، ابن الطائفة الذي لم يستفد من فرصة تاريخية، كان بإمكانه بناء دولة حديثة يتساوى فيها مع الآخرين، لكنه اختار الحكم بالقوة والقسر والقهر ونسي قوة التاريخ المتحركة دوماً.

ليس وحده الذي يَسأل، ويجد صعوبة في الإجابة، لكن العرب وكوفي أنان والمجتمع الدولي كلهم يسألون عن المخرج، يعلمون أن ثمة مخرجاً في نهاية النفق، لكن لا يعرفون متى، وكيف تكون النهاية؟

بشار يظهر منتشياً ولكنه قلق في بابا عمرو التي قتل أهلها وقصفهم ولا يزال يقصفهم، ثم يزور حيهم مبتسماً، أهالي بابا عمرو لم يكونوا هناك لاستقباله، مجرد عرض تلفزيوني للعالم، وللداخل، ولشخصه أيضاً، فهو يحتاج ما يطمئنه بأنه سينتصر حتى يستطيع الاستمرار في حربه، حتى من يلعب كرة قدم يحتاج دعماً معنوياً.

ما إن يغادر يُستأنف القصف، حقيقة أنه لا يستطيع غير القصف تُظهر ضعفه، فمن هو ذلك العسكري الأحمق الذي يقصف مناطق سكنية كي يقضي على عصابات مسلحة؟ قواعد المواجهة التقليدية تفترض أن يرسل فرقة من القوات الخاصة خلف «العصابات» ويوصيهم أن يحرصوا على سلامة المدنيين حتى لا يتحولوا «ضدنا». لكنه يعلم أن المدنيين ضده، وأنه لن يستطيع حكمهم إلا بنشر الرعب بينهم، إنه قوة احتلال، ولن يحدث سلام في حمص إلا إذا استسلم لها أهالي حمص، فتنشر الجواسيس بينهم، ترعبهم، تجري إعدامات سريعة لكل متمرد يشتبه به. لكن إلى متى يمكن أن يستمر الجيش كقوة احتلال؟

معظم سورية بات مناطق خارج السيطرة، بإمكان جيش النظام مداهمتها، فيقتل ويعتقل، لكن ما إن ينسحب جيش «الاحتلال» وميليشيات الطائفة حتى تتمرد من جديد. الجيش الحر يتحول أكثر فأكثر إلى حرب العصابات الخاطفة، فيغتنم فرصة الانسحاب للتخطيط لكمين يستقبل به قوات النظام عندما تداهم الحي في المرة المقبلة.

الصورة معقدة وتزداد تعقيداً كل يوم، وبشار يعتقد أنه ذكي، فيعلن قبول مبادرة كوفي أنان لوقف إطلاق النار من «الأطراف كافة» ونشر مراقبين لضمان وقف إطلاق النار. حسناً لنعلن موافقتنا، ربما المعارضة ترفض فنبرر استمرار عمليات جيشنا، لكنهم سيرسلون مراقبين! لن يكون ذلك قبل أسابيع، ربما أشهر حتى يتفقوا على شروط انتشارهم، وسلاحهم، ونوع أجهزة اتصالهم، ثم هل يكون ذلك بقرار أممي أم لا؟ المهم ألا يصدر قرار أممي تحت الفصل السابع يسمح للناتو أو الأتراك بالتدخل أو القصف أو فرض حظر طيران أو حظر بري… حينها سيشعر نظامنا بالرعب، وسيؤدي ذلك إلى خروج مناطق أكثر من تحت السيطرة، وإلى مزيد من الانشقاقات في الجيش، والأخطر إن حدث انشقاق في الطائفة التي لا تزال متماسكة.

كي لا يحصل ذلك، قد يفكر النظام بأن يبقي القتل في معدله الأدنى الذي يغضب العالم ولكن لا يحركه، 70 قتيلاً في اليوم مثلاً، وقد يحسب أنه إذا حافظ على الوضع القائم على رغم سوئه لعام آخر، فلعل العالم يتعود على «الحالة السورية»، وربما بعض المعارضة يملّ فيعود يطلب التفاوض بل حتى المشاركة في الحكومة. هذا بات مقبولاً اليوم، لكن المستحيل هو المشاركة في النظام.

دارالحياة – السبت – 31 مارس 2012