عبدالله القمزي
عبدالله القمزي
كاتب إماراتي

داء الجاحدة

آراء

كانت هناك امرأة جاحدة تعمل في شركة للأدوية، لم تكن الجاحدة محبوبة من زملائها لأنها غدرت بهم في مواقف كثيرة وتآمرت عليهم، كانت هي الأقدم في تلك الشركة، وكان مطلوباً منها تدريب الموظفين على نظام العمل.

كان الموظفون يعلمون أن تدريبها لهم يتناول الأساسيات فقط، أما بقية التفاصيل المعقدة فكانت تتطلب مهارات وجهداً شخصياً منهم، تتذمر الجاحدة كثيراً وهي تعلّمهم وتمنّ عليهم، وأحياناً تصفهم بالجهلة، وفي المقابل كانوا هم يتندرون عليها لأنها لم تتقدم قيد أنملة في عملية تطوير مهاراتها.

فوّتت الجاحدة فرصاً كثيرة لتطوير ذاتها، وكانت تتجاهل الدورات التدريبية، ولهذا السبب ارتقى الجميع بمهاراتهم ومناصبهم وبقيت هي تراوح مكانها.

وقع خلاف بين مدير أحد الأقسام ومدير المختبر، وكان مدير المختبر غليظ الطباع، شرساً جداً، عُرف عنه الاعتداء السافر على زملائه، دخل مدير المختبر إلى مكتب مدير أحد الأقسام وسكب مادة كيميائية على وجهه.

أُدخل مدير أحد الأقسام إلى المستشفى وغضب رئيس الشركة غضباً شديداً وأوقع أقسى عقوبة بحق مدير المختبر، وهي فصله من العمل وتحويله إلى السلطات.

تضامن جميع موظفي الشركة مع مدير أحد الأقسام، إلا الجاحدة، أصرت على الوقوف مع المعتدي وسط دهشة واستنكار الجميع، لأن مدير أحد الأقسام هو المتعاطف الوحيد معها، وهو الذي تدخل عند رئيس الشركة عندما حاول الأخير إنهاء خدماتها بسبب كثرة الشكاوى ضدها.

كانت الجاحدة ترعى ابناً وحدها، بسبب انفصالها عن زوجها، وكانت تشتكي من أن راتبها لا يكفيها، ونتيجة لذلك تعاطف معها الجميع، ودعموها من أجل ابنها الذي يدرس في الجامعة، إلا أن تأييدها لمدير المختبر المفصول جعل الكثيرين يعيدون التفكير في مساعدتها.

كانت الجاحدة تشتم وتغدر بزملائها، وهم صابرون عليها من أجل ابنها الوحيد، لا يريدون الشكوى منها حتى لا يقطعوا رزقها، ويتأثر هو ويطرد من الجامعة، كلما ترقى موظف في الشركة وأمسك بقسم، يهنئه الجميع، وتلعنه الجاحدة وتقول «أنا علمته، كل هذا بسببي»، والجميع يعلم أن الترقي في المناصب كان نتيجة اجتهادات شخصية ولا علاقة له بكيفية استخدام برنامج الكمبيوتر في تلك الشركة.

تخرج ابن الجاحدة وتوظف، وبعد عامين أراد الزواج، فرحت الجاحدة وأرادت إقامة حفل زفاف بسيط للأهل والأقارب وبعض الأصدقاء، كما دعت زملاءها في الشركة.

يوم العرس في حديقة المنزل جلس ابنها العريس بجانب عروسه، ووقفت المرأة الجاحدة بجانب والدَي العريس جاهزة لاستقبال الضيوف، الجميع مشرئبو الأعناق وعيونهم مصوبة باتجاه بوابة المنزل، بانتظار المدعوين.. لكن لم يأتِ أحد، مرت ساعات المساء وانتصف الليل ولم يدخل أحد.

لم يحضر الأصدقاء، ولم يأتِ أحد من الشركة، للمرة الأولى تتعرض الجاحدة لهذا الموقف المخزي في حياتها، أدركت الجاحدة أنها بعيدة عن الواقع وأنها وحدها، في العمل حاولت انتزاع موقف ضد تجاهل زملائها، لكنها وجدت رفضاً بالإجماع، والأسوأ أن أحداً لم يعد حتى يبالي بوجودها.

المصدر: الامارات اليوم