سلمان الدوسري
سلمان الدوسري
رئيس تحرير صحيفة الشرق الأوسط

دبلوماسيان في العوامية

آراء

ليس عنواناً لفيلم سينمائي، ولا لرواية ستصدر قريباً، بل واقع فاجأ الجميع، فعلى الرغم من كل الشغب “وزارة الداخلية ترفض تسميته إرهاباً” الحاصل في بلدة العوامية منذ نحو 27 شهراً، إلا أن دبلوماسيين يزورانها بسيارتهما ذات اللوحة الخضراء، ثم يقف الإرهابيون، وليسوا المشاغبين، لهما بالمرصاد ويطلقون النار عليهما ويحرقون سيارتهما، ولولا لطف الله لكان العنوان الأبرز في الإعلام الدولي: مقتل دبلوماسيين حرقاً في السعودية، ولكم أن تتخيلوا باقي تفاعلات القصة وتأثيرها السيئ في بلادنا.

وبعيداً عن الزيارة السرية، إذا صح التعبير، التي قام بها أعضاء السفارة الألمانية للعوامية والهدف منها وكم مرة تكررت، فإن الحادثة ربما تيمم الأنظار قليلاً نحو إرهاب طال مداه، وجرائم تضرر منها الوطن وحوادث إطلاق نار متواصلة لم تتوقف، مع كل سعة الصدر التي تتم بها مواجهة ذلك، مَن يدري.. قد تكون الحادثة الأخيرة فرصة لتغيير التعاطي مع هذه الحوادث وإعطائها الصفة الحقيقية التي تستحقها. باختصار لم يعد الأمر يحتمل اعتباره شغباً يقوم به بعض الصبية. تبسيط “إرهاب” العوامية، وكأنه صادر من مشاغبين “الله يهديهم”، هو في حقيقته إعطاء الفرصة لهم، ولمن خلفهم، ولمن ساندهم، ولمن تعاطف معهم، بالاستمرار في غيهم وإجرامهم.. وهنا يحق لنا أن نسأل: ما الفرق بين إرهاب القاعدة و”شغب” العوامية؟ هنا “قاعديون” يقتلون الأبرياء من مواطنين ورجال شرطة، ويحرقون مراكز حكومية، ويعيثون في الأرض فساداً، ويطالبون بإسقاط النظام؛ وهناك “مشاغبون” أيضاً يقتلون الأبرياء من مواطنين ورجال شرطة، ويحرقون مراكز حكومية، ويعيثون في الأرض فساداً، ويطالبون بإسقاط النظام؛ فلماذا هنا إرهابيون وهناك مشاغبون؟!

مصيبتنا اليوم ليست في “الإرهابيين” سواء في القاعدة أو العوامية، مصيبتنا الكبرى في المتعاطفين معهم تحت مزاعم الحريات أو المظلومية، أو مناكفة الدولة، أو حتى محاولة ادعاء البطولة، هؤلاء شرهم مستطير، وضررهم كبير، وترك الساحة لهم ليمارسوا التحريض بالتعاطف تارة والتبرير تارة أخرى، هو في حقيقته مشاركة في توسيع دائرة الإرهاب بدلاً من حصره في مكانه الصحيح. الإرهاب ليس فقط إطلاق نار وتفجير. من يقفون خلف الإرهابيين يمارسون فعلاً قبيحاً لا يقل إجراماً، لكنهم للأسف آمنون في سربهم لا يستغرب أحد فعلهم، بل ربما أحياناً يكرّمون شكراً لهم على صنيعهم، وتشجيعاً للآخرين للسير على دربهم!

لا توجد دولة في العالم تسمح بالتعاطف مع الإرهاب تحت أي مسمى كان. هناك خط أحمر لا يسمح بالاقتراب منه. ليس مقبولاً أن تستمر خاصرة الوطن في العوامية تعاني وتنزف، ونحن نغض الطرف ونعتبر ذلك أفعالاً صبيانية لـ “أطفال” و”مشاغبين”، وها هي قاعدة الضحايا تتسع يوماً بعد الآخر، والإرهاب مستمر على مصراعيه، والمتعاطفون يزدادون غيّاً، والمفاجأة الجديدة غير السعيدة أن الدبلوماسيين الأجانب يتواصلون معهم!

ربما علينا أن نسأل الدبلوماسيين الألمان، بعد أن نقول لهما حمداً لله على سلامتكما: في بلادكما، بلد الحريات والديمقراطية، إذا تعرضت سيارة دبلوماسية لإطلاق نار وحرق، كيف تتعاملان مع الفاعلين؟ وماذا تسميان المتعاطفين؟ وسؤال أخير لهما، أتمنى ألا يزعجهما وهما الناجيان من موت محقق: هل تسمحان للسفارات الأجنبية في ألمانيا بالتواصل مع الإرهابيين؟!

المصدر: الاقتصادية