مازن العليوي
مازن العليوي
كاتب سوري في صحيفة الرؤية الإماراتية، ويعمل حاليا في مجال إعداد البرامج الحوارية الفضائية ، رئيس قسمي الثقافة والرأي في صحيفة "الوطن" السعودية اعتبارا من عام 2001 ولغاية 2010 ، عضو اتحاد الكتاب العرب (جمعية الشعر)، واتحاد الصحفيين العرب، بكالوريوس في الهندسة الكهربائية والإلكترونية، وبكالوريوس في اللغة العربية وآدابها، لديه 3 مجموعات شعرية مطبوعة

“دراما” لا نهاية لها

آراء

المكان: بقايا أبنية وأكوام حجارة.

الزمان: قبل أيام.

التصوير: نهاري خارجي.

الموسيقى التصويرية: صوت رصاص لا يهدأ.

المشهد: أشخاص يصرخون، ورجل يهرب من طلقات قناص ليختفي على يمين الكاميرا ويختبئ داخل بناء منهار.. لحظات، ومع حركة الكاميرا يسارا يظهر طفل يتلوى على الأرض نتيجة إصابته برصاصة القناص.. أصوات تقول إنه ما زال حيا إنه يتحرك.. يقف الطفل ليركض خطوات أخرى باتجاه سيارة محطمة، تأتيه طلقات نارية، يقع مرة أخرى على الأرض قبل أمتار من السيارة.. ينهض ثانية ويجري لما خلف السيارة ليظهر ممسكا بيد أخته الصغيرة فيجريان معا تحت وابل من الرصاص إلى بناء على الطرف الآخر من الطريق.

* * *

ما سبق ليس سوى حدث واقعي تم تداوله خلال الأيام القليلة الماضية على مواقع التواصل الاجتماعي، ولا أحسب أن شخصا شاهده لم يشعر بالمرارة والألم لما يجري في سورية من كوارث.. ربما وحده القناص القاتل ومن ماثله لا يرف لهم جفن، بل لعلهم يستلذون بالقتل.

أي بطولة تلك التي يشعر بها القناص ـ ومن أرسله ـ في إطلاق النار على طفلين لم يتجاوزا العاشرة من العمر. ولو فكر، إن كان مازال عنده عقل يفكر، لاكتشف أن البطل الحقيقي هو ذلك الطفل الذي امتلك قدرة الرجال ودفعته إرادة الحياة للمخاطرة بنفسه لإنقاذ أخته.

طفل يستحق أن يكون نجما في فيلم ينتج عنه وعن أمثاله من الأطفال الذين كانوا كبارا بأفعالهم، ومنهم من ضحى بحياته لإنقاذ غيره، ومنهم من صار يعمل ليعيل أهله، ومنهم.. ومنهم..

الصيف قبل الماضي كنتُ في مدينة أورفة التركية، حيث عشرات الألوف من السوريين المهجرين، ومررت إلى سوق الخضار لشراء بعض الاحتياجات، فأتاني طفل في التاسعة من عمره، يدفع عربة نقل من التي يستخدمونها في البناء، وسألني بالعربية إن كنت أحتاج من ينقل لي الأغراض إلى البيت.. خلال المسافة القصيرة تحدثت معه، لأعرف أن أهله يقيمون في مخيمات اللجوء، وأنه يأتي لهذا السوق الذي يقام مرتين أسبوعيا ليسكب بضع ليرات يساعد بها أمه، فما يعطونهم إياه في المخيم لا يكفي العائلة.

دمعت عينه وأنا أعطيه أربعة أضعاف المبلغ الذي طلبه، ورفض في البداية عادّا أني أتصدّق عليه، فأقنعته بعد نقاش بأنه لا يبيع سلعة وبالتالي ثمن جهده يمكن رفعه إن أراد الزبون ذلك.

* * *

ويبقى السؤال: أما لهذه الدراما الواقعية من نهاية.. أم أن المأساة مستمرة إلى أجل غير مسمى؟

المصدر: الوطن أون لاين
http://alwatan.com.sa/Articles/Detail.aspx?ArticleID=23830