جمال الشحي
جمال الشحي
كاتب و ناشر من دولة الإمارات

دمع لا يكفكف

آراء

قبل ست سنوات أخذت بيديه وساعدته على النزول من السيارة، كان يحضن يدي كطفل على الرغم من أني كنت الذي أمسكه، دخلنا المستشفى، وعندما رأى الغرفة شكر المسؤول المرافق، وأبدى إعجابه بالمكان وبياض الجدران، ووضع شيئاً في يد الممرض وابتسم له، لم أستطع ساعتها أن انتبه لملاحظاته الدقيقة وابتساماته الصادقة، كان المكان بالنسبة لي قاتماً وكئيباً لم أكن أرى ما يراه. بالرغم من مرضه الشديد كان يزرع فينا التفاؤل والأمل على الرغم من حاجته إليهما أكثر منا. كانت هذه آخر لحظاته البسيطة “رحمة الله” في التعامل الإيجابي على الرغم من ظروف مرضه. من الغرفة البيضاء نفسها غادرنا أبي بعدها أياماً ولم يغادر قلوبنا إلى الآن.

◆ كلما ابتعدت عن المتشائمين زادت حياتي تفاؤلاً.
هناك من ينظر إلى العالم بكلتا عينيه وقلبه وعقله فينشر التفاؤل والطاقة الإيجابية من حوله، وهناك من يرى العالم بعين واحدة، من زاوية ضيقة، وتصبح السلبية شعاره، والتشاؤم عنوانه، ويقضي الكثير من عمره في نطاق سلبي وضيق جداً، ينعكس بدوره على أسلوب حياته وطريقة تفكيره، فيرهق نفسه والمحيطين من حوله. الطاقة السلبية عند البعض تنعكس سلباً على المجموعة، وتؤثر بشكل غير مباشر على الطاقات الإيجابية الموجودة، ويصبح المكان أشبه بدوامة متعبة ما إن تخرج منها حتى تحس بكثير من الراحة، وعدم الرغبة في العودة ثانية.

◆ البعض يرهقوننا بتشاؤمهم، والبعض ينعشوننا بتفاؤلهم.
أحيانا عندما تنظر إلى نفسك وترى الأشياء بمنظور آخر مختلف ستلاحظ أنك تملك الكثير، وأكثر مما تتوقعه، وحتى إن بدأت المقارنة مع الآخرين ستتفاجأ بأنك تتفوق عليهم في أشياء، وتتساوى معهم في أشياء، ويتميزون عنك في أشياء أخرى، هناك عدالة في التقسيم لكن الإصرار على جلد الذات والتركيز على السلبيات يجعل منك شخصا سلبياً، وكذلك النظرة التشاؤمية المتكررة تجعلك شخصاً متشائماً، مما يؤثر سلباً على مسيرتك وتوجهاتك وقراراتك المهمة في المقام الأخير.

◆ من أصعب تحديات الحياة تبسيط الأشياء المعقدة.
التفاؤل والإيجابية يساعداك على العيش بسلام داخلي وطمأنينة مستمرة، ويحصناك ضد كثير من الصدمات المتوقعة وغير المتوقعة، هذه التحصينات تتغذى بالواقعية في التعامل مع المشاكل والاضطرابات، والهدوء في التفكير، وعدم المبالغة وتضخيم الأحداث، وفهم جميع الأمور المتعلقة والسيناريوهات المترتبة، عندها يصبح اتخاذ القرار سهلاً، وتصبح أكثر قبولاً لكل النتائج التي أستعددت لها سلفاً.

◆ هناك من يرحل ونبقى العمر كله نتذكره.
كان آباؤنا وأجدادنا على الرغم من قلة تعليمهم، وبساطة معيشتهم، مبدعين في تناغمهم مع صعوبة الحياة، وعلى الرغم من قسوتها كانوا أصدقاء دائمين للأمل، وزائرين مستمرين للسعادة، وعاشقين للبساطة، وهذا هو الإبداع.

جريدة الاتحاد – السبت 17 مارس 2012