مهرة سعيد المهيري
مهرة سعيد المهيري
كاتبة إماراتية

دول الخليج ومواجهة المشروع الإيراني

آراء

خطورة إيران على منطقتنا ليست في حاجة إلى أدلة العداء والخصومة لإثباتها. وخطر إيران ليس فقط بتدخلها في الشؤون الداخلية لدول المنطقة، وتأجيجها للطائفية، وإنما بغرورها وتعاليها واحتقارها للعرب والمسلمين ومحاولاتها المستميتة إحياء أمجاد الإمبراطورية الفارسية، وهي تضطهد العرب في عربستان منذ أن بسطت سيطرتها على إقليم الأهواز مطلع القرن الماضي واحتلت جزر الإمارات العربية المتحدة الثلاث، وتهدد البحرين والسعودية والكويت واليمن وسوريا، . ولنا أن نتصور الخطر الإيراني حيث إنها تنفق نسبة كبيرة من موازنتها العامة وناتجها القومي لدعم الإرهاب العالمي ومساندة الجماعات والتنظيمات الإرهابية. إيران منذ زمن ليس بالقصير -وفقا لتدخلاتها المشهودة تسعى إلى بث موجات من الفتن والأزمات داخل تلك الدول والعمل على تأجيج الطائفية فوق أراضيها، ودعم مختلف الحركات الإرهابية التي ظهرت برؤوسها الخبيثة في دول تسعى مختلف الجهود المبذولة فيها لمكافحة تلك الحركات واحتوائها واجتثاثها من جذورها، وفي الوقت الذي تحاول فيه دول مجلس التعاون الخليجي معالجة ظاهرة الإرهاب ومكافحة الإرهابيين أينما وجدوا، فإن حكام طهران – بتدخلاتهم في الشؤون الداخلية لبعض الدول – يحاولون مساعدة الحركات الإرهابية على نشر بذور الفتن والطائفية على أراضيها، وهم بذلك يساعدون الإرهابيين على ممارسة جرائمهم وتطرفهم وغلوهم ونشر أفكارهم المنحرفة أينما تواجدوا.

وليس بخافٍ أن فشل طهران في معاضدتها للإرهاب في المنطقة يبدو واضحاً للغاية، فالإيرانيون لم يتمكنوا من الهيمنة على مقدرات الشعب العراقي من الناحيتين السياسية والأمنية، وفي اليمن لم تحقق إيران أي إنجازات تذكر بعد أن فقد أتباعها من جماعة «الحوثي» والرئيس السابق علي عبد الله صالح فرص السيطرة على الدولة اليمنية، وتعرضوا لخسائر فادحة تحت وطأة الضربات المستمرة لتحالف دعم الشرعية الدستورية في اليمن.

ولا ننسى أن «حزب الله» اللبناني وضع نفسه طرفاً مباشراً في الصراع الدائر في سوريا، وتعرض هو الآخر لخسائر فادحة، ولم يعد يهدف سوى إلى حماية مصالحه وتفادي أي ضربات جديدة وسقطت الهالة الإعلامية والدعائية التي رسمها حول نفسه منذ أن صمد في مواجهة الضربات الجوية الإسرائيلية في لبنان، في حين أخفقت ميلشيات الحزب إخفاقاً ذريعاً في خوض حرب من الطراز ذاته، أي مواجهة عناصر قتالية مماثلة في حرب غير تقليدية، بل إنهم عجزوا عن إثبات وجودهم في البحرين رغم دعمهم لكل أشكال الشغب والمظاهرات وترويع الآمنين التي باءت كلها بفشل ذريع، وها هي طهران اليوم تحاول أن تلعب أدواراً سياسية مكشوفة لتوقف موجة التحالف الدولي المتصاعدة ضد المتطرفين في سوريا، وهي موجة لاشك أنها سترهق الإرهابيين ومن يقف خلفهم إيران التي بنت قدراتها على شن الهجمات البعيدة، وتعاني من ضعف وتفكك داخلي خطير لا يمكن إصلاحه، ومن تناقض بين النظام والشعب وبينه وبين الحضارة، وهي تتعمد القمع في الداخل وتحارب بعيداً عن حدودها تصديراً لأزماتها، وتتاجر بأساطيرها التي تشبه أساطير النازيين.

والنظام الإيراني يدرك أنه في النهاية سينهار إنْ جنح للسلم بقوى داخلية، لذلك يفضل الحرب، ولا أعتقد أنه سيسير بعيداً في اتفاقه السلمي مع الغرب، ولا يستطيع التراجع أمام التيار الإصلاحي الذي سيدخل إيران في مرحلة تشبه مرحلة جورباتشوف في روسيا، حيث تنهار أنظمة القمع والأساطير أمام طوفان إرادة التغيير المتراكمة والمحتقنة منذ زمن طويل، والتي تطيح بكل شيء عندما تبدأ. ومع ذلك قدرته على تحمل الخسائر البشرية محدودة جداً، لذلك فهو يعتمد على حلفاء محليين يقاتلون بإمرته ومن أجله، ويتخلى عنهم عند الخسارة، وفي ذلك عنصر ضعف خطير.

لا أعتقد أن دول الخليج ستقف موقف المتفرج تجاه انتهاكات إيران السافرة والصارخة التي تقوم بها من خلال تدخلاتها في شؤون الخليج الداخلية، والتي تجاوزت كل الحدود، وبات علينا العمل على إيقاف هذه التصرفات بكل حزم وصرامة، فلم يعد استخدام أسلوب اللين مع إيران نافعاً. فبعد كشف الكثير من المؤامرات التي قامت بها إيران خلال الفترة الماضية في دول الخليج، بات المطلوب اليوم التحرك لوضع حد لأية أخطار محتملة قد تحدق مستقبلاً وتدمر المنطقة وشعوبها أسوأ من أسلحة الدمار الشامل، إذا لم نحد من هذه الأخطار. وعلينا الحفاظ على وحدة وتماسك النسيج الداخلي للدول العربية، وعدم السماح بتفتيت المجتمع أو اختراقه والعمل على جمع مكوناته وتثبيتها على قاعدة قابلية الاندماج في الدولة العربية، وليس على قاعدة التفريق والولاءات المتعددة، وعدم الخضوع لمبدأ تصدير الفتن الذي تقوم به إيران وغيرها من الدول الغربية. فالاستقرار الداخلي والاجتماعي ضمن الإطار الطاغي لهوية المنطقة العربية الإسلامية شرط أساسي في نجاح تطبيق سياسة مواجهة المشروع الإيراني التفتيتي، وإلا فلا ينفع الندم بعد فوات الأوان.