رخاء المجتمع: و تجربة المارشملو

آراء

خاص لـ هات بوست: 

تخيل نفسك طفلاً عاش التجربة التالية: تذهب مع شخصٍ بالغ إلى غرفة، في الغرفة تجد طاولة وكرسي وفوق الطاولة تجد صحناً فيه حلوى تفوح منها رائحة زكية. يخبرك البالغ بأنه إذا أردت أن تحصل على المزيد من الحلوى سوف يتوجب عليك الانتظار لمدة أطول قليلاً، عندها يتركك في هذه الغرفة لوحدك وأمامك هذه الحلوى الشهية. ما الذي ستفعله في هذه الحالة؟ إن هممت بتناول الحلوى ستتمكن من اشباع الجوع، الفضول والرغبة وإن انتظرت سوف تتضاعف “المكافأة”. وجد علماء جامعة ستانفورد الأمريكية بأن قرارك عند خضوعك لهذه التجربة المشهورة باسم تجربة “المارشملو” قد يمكّنهم من توقع مدى نجاحك في حياتك! حيث أنهم اختبروا مجموعة من الأطفال معظمهم تتراوح أعمارهم بين الـ3  و 6  سنوات بنفس الطريقة، دوّنوا تصرفاتهم أثناء التجربة ثم تابعوا مدى نجاح كل طفل شارك في التجربة لأكثر من ٤٠ عاماً بدءاً بمتابعة تحصيلهم الدراسي أثناء سنوات دراستهم وبعد تخرجهم تمت دراسة مدى استقرار حياتهم الشخصية والمهنية.

 وجد العلماء عندها بأن الأطفال الذين تمكنوا من الصبر بهدف تأجيل المكافأة كانوا نسبياً:

(أ) أفراداً أكثر نجاحاً واستقراراً في حياتهم

(ب) أقل عرضة لتعاطي المخدرات

 (ج) أقل عرضة للمعاناة من السمنة المفرطة

 (د) أفضل تجاوباً لضغوطات الحياة

 (ه) أكثر نجاحاً في اختبارات الذكاء

 (و) وبشكلً عام كان أفراد هذه الفئة أكثر نجاحاً في العديد من مقاييس الحياة المختلفة.

لذلك يؤمن بعض العلماء بأن ضبط النفس، أي قدرة الفرد على التحكم في تصرفاته، هو من أهم العوامل التي تؤدي إلى نجاحه على الصعيدين الشخصي والمهني، وأنه يمكن التنبؤ بهذه الأمور مبكراً، والعمل على تحسينها. حيث ان تربية الطفل على مبادئ الصبر والتحمل في سن صغير سوف تجعل منه فرداً صادقاً، طيباً، ويمكن الوثوق به في المستقبل.

تعتبر تجربة “المارشملو” من أشهر تجارب علم النفس التي ساهمت في قيام نهضة فكرية تحرّض الآباء على تعليم أطفالهم مبادئ الصبر. ولكن الأمر الذي لم يتم تداوله كثيراً عن هذه التجربة هو أن معظم الأطفال التسعين الذين شاركوا في التجربة كانوا يرتادون حضانة متواجدة في حرم جامعة ستانفورد، أي أن معظمهم كانوا أبناء أساتذة أو أشخاص يعملون في واحدة من أقوى وأعرق الجامعات العالمية، هذا يعني بأنهم أبناء أشخاصٍ مثقفين وذوي دخلٍ جيد. فهل تمثل نتائج هذه التجربة واقع المجتمع بمختلف طبقاته ومستوياته المادية والعلمية؟ لذلك تمت إعادة هذه الدراسة باستخدام شريحة مجتمعية أكبر، والنتائج الأخيرة بينت بأن الموضوع أكثر تعقيداً مما كان متوقع. وجدت دراسة بأن الاطفال يفضلون عدم الانتظار إن قام الباحث بعدم الوفاء بوعوده، أي مثلاً ان قام الباحث بإعطاء الطفل مجموعة ألوان صغيرة ثم الوعد بإحضار مجموعة أكبر وعدم القيام بعمل ذلك، تقل ثقة الطفل بالباحث ويكون الطفل أكثر عرضة “للفشل” بتجربة المارشملو وضّحت دراسة أخرى تابعت ٩٠٠ طفلً وطفلة بأن الأطفال الذين ينشؤون في بيئة فقيرة أكثر عرضة للفشل في تجربة “المارشملو”، حيث أنهم يفضلون مبدأ ” عصفور في اليد خير من عشرة على الشجرة” بناءً على ما تعلموه من الحياة هذه الإضافات المهمة لما يعرفه المجتمع العلمي عن تجربة المارشملو تؤكد نقطة مهمة للغاية، وهي أن البيئة والمجتمع الذي ينشئ فيه الطفل لهما تأثير كبير على قدرة الطفل على النجاح في الصعيدين الشخصي والمهني.

 النقطة الأولى:

-لتوطيد الثقة بين الطفل وأسرته دور كبير في صقل شخصية الطفل، فإن وُعِد الطفل وعداً فيه مكافأة أو عقاب، فيجب الالتزام بالوعد والاستمرارية والثبات على المبدأ.

 النقطة الثانية:

-الاستقرار المادي للعائلة، وتلبية حاجات الطفل الأساسية بشكل مستمر يساهمان في زيادة فرص نجاح الطفل في الحياة.

فالسؤال هو هل انتماء الأطفال في الخليج إلى عوائل مستقرة مادياً نوعا ما سيضمن نجاحهم في الاختبار الفعلي لتجربة المارشملو؟ أم أن انتماء الأطفال لعوائل توفر لهم كل ما يريدون بسهولة سوف يقلل الدافع والحماس للإنجاز والمثابرة؟ نناقش هذه القضية في الجزء الثاني من هذه المقالة.