سرقة الأفكار

آراء

لفت انتباهي منذ أيام انعقاد مؤتمر عن السرقات العلمية، وهي منتشرة في مجال البحث العلمي والنشر والترجمة، وتكثر بين بعض الأكاديميين الذين لا يستحقون أن تطأ أقدامهم حرم أي مؤسسة تعليمية، وتختلف صور تلك السرقات، فالبعض يسرق مجهود طلابه وينسبه لنفسه، والبعض يسرق مجهود زملائه، ومن ناحية أخرى فبعض الطلاب يسرق من مصادر مختلفة، أهمها الإنترنت، ولغياب الوعي يعتبرون أن هذا ملك مشاع، وطالما أن المحتوى مفتوح ووقع في أيديهم فلهم الحق في التصرف فيه. لحسن الحظ هناك الآن برامج كثيرة ومواقع إلكترونية متخصصة لكشف تلك السرقات، وأتذكر أنه أثناء الإعداد لمؤتمر علمي كانت هناك ورقة بحث فائقة الجودة، ومن الصعب جداً أن يكون باحث بمفرده قد أعدّ هذه الورقة، فتم إدراجها في موقع لكشف الاقتباس، فتبين على الفور أنها عبارة عن بحث تم إعداده من قبل فريق عمل بمؤسسة دولية كبيرة.

هناك الكثير من الطرق لكشف تلك السرقات العلمية المنشورة، لكن المشكلة الأكبر والتحدي هو سرقة الأفكار، حيث يصعب الكشف عنها، فقد يقوم شخص بعمل اقتراح يبذل فيه مجهوداً كبيراً، وقد يستثمر الكثير من الوقت والمال في بلورة اقتراحه، ويفاجأ بسرقة الفكرة وتنفيذها حتى دون منحه حقّه المعنوي أو الاعتراف بأنه صاحب الاقتراح، وقد حدّثني البعض عن مثل هذه المواقف، ولاشك أن هناك حالات كثيرة في أماكن مختلفة قد يقدم الموظف فيها اقتراحاً ويتم رفضه، ثم يفاجأ بتطبيق اقتراحه بعد فترة، بل والأسوأ أن يتم تكريم شخص آخر ونسب الاقتراح إليه، وقد يكون مديره المباشر، فيولّد ذلك الإحباط والإحساس بالظلم.

أعتقد أن هناك حاجة إلى مزيد من التوعية حول هذا الموضوع لتوضيح آثاره وأبعاده، خصوصاً من الناحية الدينية، حيث يدخل ذلك في نطاق السرقة مثله مثل سرقة أية ممتلكات ملموسة، وقد تضمنت التشريعات الحماية القانونية للملكية الفكرية، ولكن يظل هناك دور كبير للبعد الأخلاقي، حيث قد تسرق الفكرة خلال حوار قبل أن يتم توثيقها. أعتقد أن الكثير منا قرأ «بوستات» على وسائل التواصل الاجتماعي، مثل المقالات والمقتطفات مذيّلة بكلمة «منقول»، لكن «منقول» من أين ومِن مَن؟ ومَن صاحب هذا المحتوى؟ لا حياة لمن تنادي!

هناك دور كبير للبيت في توعية النشء حول هذا الموضوع، ثم يأتي دور المدرسة والمجتمع ووسائل الإعلام ومؤسسات المجتمع المدني والنفع العام ورجال الدين، إنه دور مشترك ويحتاج إلى استراتيجيات وخطط عمل ومؤشرات أداء وخطوات جادة مدعومة بالتشريعات اللازمة، مع وضوح إجراءات تطبيق تلك التشريعات.

المصدر: الإمارات اليوم