أيمن العريشي
أيمن العريشي
كاتب وأكاديمي سعودي

سعود الذي رحل مبتسماً !

آراء

في العشر الأخيرة من رمضان المنصرم كنت في طريقي إلى بيت الله الحرام، لم يدر بخلدي أبداً بأن ذلك سيكون آخر عهدي مع الصوت الهادئ الرخيم المنبعث عبر الأثير من مذياع السيارة. ففي برنامجه ليطمئن قلبي مع المفكر الدكتور عدنان إبراهيم كان الفقيد الراحل سعود الدوسري يرسل إلينا إشارات وداع في الشهر الفضيل دون أن يدري ولا ندري! الحمدلله على قضائه وقدره لكن أمثال سعود هم قلةٌ ممن لو أتيحت لهم حياة أخرى لعمروها بهجة وابتسامة وصدقاً ونجاحاً. ليس من قبيل المصادفة أن نقلب في صور سعود بعد وفاته فنجد ابتسامته الوضاءه هي القاسم المشترك الأجمل بين جميع تلك الصور. أن نستعرض تغريدات نعيه عبر مواقع التواصل الاجتماعي فنجدها قد كُتبت من قبل أشخاصٍ ينتمون إلى مختلف المدارس الفكرية والثقافية ومن مختلف الطبقات الاجتماعية. لقد وحدتهم ياسعود بسحرِ صوتك الشجي وقلبك النقي وحبك لمهنتك واحترامك لرسالتك وتواضعك مع كل من حولك. بالنسبة للكثيرين من أبناء جيلي فقد رحلت ياسعود بعد أن وثقت في بدايتك لمرحلة مهمة من تاريخ البرامج الإذاعية في زمنٍ أوشكت فيه هذه الوسيلة الإعلامية على الاندثار في خضم سيل جارفٍ من الأقنية الفضائية اقتحمتها لاحقاً بجدارة وشجاعة ورسخت لنجاحك. في التسعينيات من القرن الماضي كنتَ تجلس كل مساءٍ في لندن رفقة صديق رحلتك المذيع أحمد الحامد داخل الاستيديو، ليتسرب صوتكما الدافئ بسلاسة إلى مسامع وأفئدة جيلٍ كامل يبتعد عنكما آلاف الأميال. تخبرني إحدى الصديقات الفاضلات بأنها لاتزال تحتفظ بصورك ضمن ألبوم ذكريات يجمع بين دفتيه الأشخاص المفضلين الملهمين الذين تركوا بصمة في قلبها وذاكرتها وأكاد أجزم أن أمثالها كُثرٌ ممن إن لم يلتقوك شخصياً أو يرتبطوا معك بعلاقة مهنية فإنك لازلت تسكن قلوبهم.

ليست الأوقات الجميلة وحدها تمضي سريعاً . ثمة أشخاصٌ رائعون يمضون سريعاً تماماً كما رحلت ياسعود.

كلما مررت بسيارتي عبر طريق الأمير تركي بن عبدالعزيز الأول بمدينة الرياض وتحديداً عندما أشاهد منارات جامع الملك خالد حيث ودعناك إلى جوار ربك، يعتصر قلبي بالحزن و يتراءى لي طيفك باسماً مودعاً فأدعوا لك.
نبكيك ياسعود وسنظل ندعوا الله أن يغفر لك ويتغمدك بواسع رحمته ويلهمنا وذويك الصبر والسلوان. وإن رحلتَ عنا جسداً فأنتَ باقٍ فينا ابتسامة ونقاءً وأنموذجاً يُحتذى.

خاص لـ “الهتلان بوست”