عبدالله القمزي
عبدالله القمزي
كاتب إماراتي

«سوشيال ميديا» لتدقيق الأخبار!

آراء

هل يمكن الثقة بعمالقة «سوشيال ميديا» للتدقيق في الأخبار؟ ما حدث منذ أسبوعين يندى له الجبين، فقد نشرت صحيفة «نيويورك بوست» الشعبية خبراً يكشف عن إيميلات تعود إلى ابن مرشح الرئاسة الأميركي ونائب الرئيس السابق جو بايدن، وبمجرد نشر الصحيفة الخبر على حساباتها في «فيس بوك» و«تويتر»، قررت المنصتان حجب الخبر أو تقليل انتشاره، وتسميته خبراً غير موثوق، وبحاجة إلى تدقيق.

السؤال: مَنْ مِن المفترض أن يؤدي دور المدقق؟ أهي «نيويورك بوست»، التي تأسست عام 1801؟ أم «تويتر» الذي خرج إلى العالم في 2007؟ وهو و«فيس بوك» أكبر مروجين لهراء المؤامرات والأخبار الكاذبة.

كانت محاولة غير مسبوقة – من عملاقي التقنية اللذين يتنافسان بوضوح، ولديهما معاً قاعدة مستخدمين تصل إلى أكثر من ثلاثة مليارات شخص – لإيقاف الناس من نشر أخبار كهذه، لها تأثيرات خطيرة جداً في الإعلام العالمي والديمقراطية الأميركية.

يؤثر عمالقة «سوشيال ميديا»، اليوم، في طريقة تداول معظم الناس للأخبار والمعلومات. فمعظم الحكومات ليست لديها قوانين تنظم عمل هذه المنصات، لذلك الجمهور – بشكل عام – يجهل حقوقه في ما يتعلق بكيفية الحصول على المعلومات.

عملية صنع القرار في هذه المنصات تبدو للمدقق من الخارج اعتباطية أو مزاجية، مثلاً، لماذا يدان شكل ما من الكراهية أو العنصرية ولا تدان أشكال أخرى؟ لماذا منعت منصة «فيس بوك» إنكار الهولوكوست الآن.. وهي من المفترض أن تمنعه منذ وقت طويل؟

ولماذا تتمكن حكومات من إقناع «فيس بوك» بحذف محتوى معادٍ لها كالحكومة التركية، وكذلك الإبقاء على حسابات المنظمات الإرهابية كـ«الإخوان»، الذين يكفرون كل ما ليس على معتقدهم المنحرف، بينما تمنع هذه المنصات خبر «نيويورك بوست»؟!

عطل «تويتر» رابط القصة، وادعى أنه غير آمن، بينما صعب «فيس بوك» نشره، بحجة أنه قيد التدقيق من قبل طرف ثالث! السؤال: من هو الطرف الثالث الذي يدقق المعلومات المتدفقة عبر المنصتين، وهل خبر صحيفة مرموقة بحاجة إلى تدقيق أصلاً؟

هل سيدقق «فيس بوك»، أو «تويتر»، في حقائق تاريخية كمذبحة الأرمن، أو من بدأ الحرب العالمية الثانية، أو من نفذ ضربات سبتمبر بعد أن وثقها التاريخ؟ هذه المسائل كبيرة، وهي محل نقاش عام، وليس من حق «السوشيال ميديا» حجبها أصلاً من أجل التدقيق فيها.

الأمر نفسه ينطبق على الفضائح أو خبر إيميلات ابن بايدن، الذي لو دققته منصات «سوشيال ميديا»، قبل نشره في «نيويورك بوست»، لربما لم يظهر للعلن، لأن الأمر برمته مسيس ولا علاقة له بالتدقيق. أما لو قاضيت جهة متضررة ابن بايدن في المحاكم، فعندها فقط ستظهر حقائق أكثر من المنشورة، ويتحول الموضوع إلى قضية عامة للتاريخ.

وماذا يحدث لو قررت «فيس بوك» أو «تويتر» حذف محتوى لإرهابيين، لأنه يخالف قوانين محتواها؟ فكرة الحذف جيدة لكن يجب أن يؤرشف ويبقى متاحاً للباحثين عند الطلب، ولا يحذف لأنه لو حذف فذلك يحجب نقطة مهمة جداً، هي كيف ساعدت «السوشيال ميديا» الجماعات الإرهابية، مثل «داعش» على النمو. في نهاية المطاف حجبها يماثل محاولة «السوشيال ميديا» إخفاء دورها في إعطاء تلك التنظيمات منصات لبث أفكارها.

المصدر: الامارات اليوم