علي عبيد
علي عبيد
كاتب وإعلامي من دولة الإمارات العربية المتحدة

سيف حمدوك وترسه

آراء

لفت انتباهي العنوان الذي وضعته «البيان» قبل أيام لخبر بدء الحكومة الانتقالية في السودان حملتها لتفكيك دولة الإخوان، التي ظلت متحكمة في كل مفاصل الدولة، ومتغلغلة في جميع المؤسسات العامة عبر الكوادر الموالية لها، دون النظر إلى كفاءة هذه الكوادر لشغل المناصب التي أسندت إليها. «حمدوك يشهر سيفه لتفكيك دولة الإخوان في السودان» كان هو العنوان.

وحين نقول «دولة الإخوان» فنحن نعني ما نقول، لأن الإخوان درجوا على تكوين دولة لهم داخل الدولة.

حدث هذا في مصر، عندما تأسس التنظيم قبل أكثر من ثمانين عاماً، ليتغلغل في مؤسسات الدولة، وعلى رأسها المؤسسة التعليمية، حيث تصنع أجيال المستقبل التي ستتسلم الراية من جيل الآباء والأجداد، وزرع أفكار التنظيم بين الناشئة كي يشبوا عليها منذ الصغر، وتصبح هي الموجهات الأساسية والرئيسة لهم في مراحل حياتهم المختلفة.

كما حدث في غيرها من الدول التي نجح التنظيم في التسلل إلى مؤسساتها المختلفة، عدا مؤسستي الجيش والأمن اللتين ظلتا عصيتين على التنظيم في أغلب الدول.

وقد شكل السودان استثناءً من هذه القاعدة، حيث كان رأس السلطة، الرئيس السابق المشير عمر البشير، خاضعاً لهذا الفكر الذي كان يمثله في السودان الدكتور حسن الترابي، الذي أتى بالبشير إلى الحكم عام 1989 من خلال انقلاب عسكري على الحكومة التي كانت منتخبة ديمقراطياً، وكان يرأسها الصادق المهدي، قبل أن ينقلب البشير على الترابي، الذي انفصل عن «حزب المؤتمر الوطني» الحاكم، الذي ظل مسيطراً على مفاصل الحكم والحياة في السودان، حتى تم إقصاء البشير عن السلطة في ثورة شعبية تعد الأكثر نموذجية من بين الثورات العربية المعاصرة.

لهذا أشهرت الحكومة الانتقالية في السودان برئاسة عبدالله حمدوك سيفها لتفكيك دولة الإخوان التي ظلت متحكمة في مفاصل الدولة عبر الموالين لها، دون النظر إلى كفاءاتهم لشغل المناصب.

وهي مهمة لا نعتقد أنها سهلة، بدليل أن مصر ما زالت تعاني من آثار استئثار الإخوان بالسلطة لمدة عام واحد فقط، فما بالك بإخوان السودان الذين سيطروا على مفاصل السلطة طوال ثلاثين عاماً، حتى أزاحتهم قوى الحرية والتغيير عبر ثورة شعبية رجح كفتها وقوف الجيش السوداني إلى جانبها، الأمر الذي يؤكد أن سيطرة الإخوان على رأس السلطة، المتمثل في المشير عمر البشير، لم تساعدهم على التسلل إلى قيادات الجيش كلها.

إلى أي مدى سينجح رئيس الوزراء السوداني في تفكيك الدولة الإخوانية العميقة، وما هي العقبات التي ستواجهه قبل أن يتمكن من تفكيكها؟ الإجابة عن ذلك مرهونة بقوة السيف الذي أشهره حمدوك، وإلى متانة الترس الذي يحمله.

وقد قرر حمدوك استخدام سيف القانون لتفكيك النظام المخلوع، وهو سلاح ربما تكون نتائجه بطيئة إلى حد ما، لكنه أكثر نجاعة، لأنه يجنب البلاد الدخول في دوامة العنف التي يصعب الخروج منها. وقد عانت بلدان عدة من هذه الدوامة، ونزفت دماء كثيرة نتيجة تمسك الجماعة بالمواقع التي تعتبرها حقاً مكتسباً لها.

لهذا بدأ حمدوك بإبعاد عدد كبير من عناصر النظام المخلوع، وإقالة منسوبيه من على رأس بعض المؤسسات الحكومية، واستبدال أصحاب الكفاءات بهم، وإعادة هيكلة مؤسسات الدولة، باعتبار ذلك استحقاقاً نصت عليه الوثيقة الدستورية.

أما ترس حمدوك فهو الشارع السوداني الذي استقبل هذه القرارات بارتياح كبير، في حين اعتبر مراقبون قرارات حمدوك بإقالة منسوبي النظام المخلوع من على رأس تلك المؤسسات خطوة متقدمة في سبيل إنفاذ مهام الفترة الانتقالية الواردة في الوثيقة الدستورية، والمتعلقة بتفكيك بنية التمكين للنظام المعزول وبناء دولة القانون والمؤسسات.

لقد أثبت الشارع خلال الشهور الماضية في كل من السودان والجزائر ولبنان والعراق أنه قوة لا يستهان بها، استطاعت أن تفرض إرادتها على أنظمة وحكومات كان من الصعب الاقتراب من رمزها، ناهيك عن إسقاط هذه الرموز.

وهذه مسألة تستحق الالتفات إليها من قبل الطرفين؛ طرف الحكومات التي تظن أنها فوق المساءلة، وأن الفساد وانتهاك حقوق الشعوب يمكن أن يستمرا إلى ما لا نهاية، وأن فرض سياسة الأمر الواقع على الشعوب، واستخدام القوة لمواجهة احتجاجات الشارع يمكن أن تثمر عن نتيجة، كما أنها تستحق الالتفات من قبل الشعوب التي لم يعد التهديد واستخدام القوة المفرطة يجدي معها.

وأفضل مثالين على ذلك الشعبان العراقي واللبناني، ففي حين تعرض الشعب العراقي المنتفض إلى إفراط في استخدام القوة معه، وسقط منه شهداء ومصابون كثر، تعرض الشعب اللبناني المنتفض إلى تهديدات من زعماء وقادة الأحزاب والقوى المختلفة، وحاول عدد من أعضاء هذه القوى وميليشياتها إرهاب الثائرين في الشارع من خلال مطاردتهم وإحراق خيامهم ومقراتهم.

ومع هذا ما زال العراقيون يتظاهرون في الشوارع، يتصدون للرصاص الحي بصدورهم العارية، ويرعبون حكامهم الموالين لإيران، بل يرعبون إيران نفسها، بينما أسقط اللبنانيون حكومتهم، وما زالوا يرفعون سقف مطالبهم.

سيف حمدوك وترسه يبدوان هما الوسيلة الأنجع لتفكيك دول أصحاب الأفكار الهدامة والمفسدين وناهبي الأموال العامة. وهو درس تقدمه الثورة السودانية لكل الشعوب التي تعاني من فساد حكامها، وتغلغل الموالين لهم إلى مؤسساتها وأجهزتها.

المصدر: البيان