خالد السويدي
خالد السويدي
كاتب إماراتي

شوفوني عندي سيارة بنتلي

آراء

لا يوجد لديّ أي تفسير لموضوع الهوس بالتصوير سوى أنه أحد أمراض العصر التي ابتلينا فيها أخيراً، حياتنا تحولت إلى تصوير، لا نجيد شيئاً كما نجيده ونبرع ونتفنن فيه، لا نعرف كيف نعيش اللحظة بطبيعية دون أن نمسك بالكاميرا لنصور «السيلفي»، ونلتقط الصور لكل ما يدور حولنا سواء كان يستحق التصوير أو لا يستحق.

تحول الهوس إلى انتهاك للخصوصية دون أدنى مراعاة لقيم المجتمع وتعدٍّ على حقوق الآخرين، ونشر للفضائح التي باتت تنتشر بسرعة الضوء لتكتسح وسائل التواصل الاجتماعي وقروبات «واتس أب» و«إنستغرام» و«سناب شات»، وتتداولها وكالات الأنباء العالمية.

ونوع آخر أشد مرضاً لا يختلف عن سابقه إلا في الاستعراض والتباهي، لا هدف له إلا في أن يشاهد الآخرون يومياته ومغامراته، يصور نفسه في أفخم المطاعم، يلتقط صور الطعام من كل الزوايا، مع أنه لا يعرف كيف ينطق اسم هذه الوجبات.

تشاهد يوميات البعض فتظن أنه من الطبقة الأرستقراطية، لا يركب إلا السيارات الفارهة، ويصور نفسه ولسان حاله يقول: «شوفوني عندي بنتلي»، رغم أن السيارة قد لا تكون ملكاً له ولا يعرف كيف يقودها للأمام وللخلف، يصر على أن يشاهد الجميع بطاقة الصعود للطائرة التي يجب أن تكون على درجة رجال الأعمال والدرجة الأولى، وإذا كان سفره على الدرجة السياحية فلا تتوقع أن يلتقط أي صورة لأنه حينها سيكون في نظر المتابعين من الطبقة العادية «المكدوحة» كدحاً.

أغلب هذه النوعيات هم من الفنانين والفنانات والمشاهير والفاشنستات محدثي النعمة الذين يعتقدون أن في استعراضهم تعويضاً للنقص الذي بداخلهم، يتوهمون أنهم سيكونون محط أنظار الآخرين، والقدوة التي تقتدي بها فئات المجتمع المختلفة.

الجدير بالذكر أن الرابطة الأميركية للطب النفسي «APA» أكدت رسمياً أن التقاط صور «السيلفي» هو فعلاً «اضطراب عقلي»، ويُعرف بأنه الرغبة الكبرى لالتقاط الصور الذاتية ونشرها على وسائل الإعلام الاجتماعية كوسيلة للتعويض عن عدم وجود الثقة بالنفس، ولسد الفجوة في العلاقة الحميمة.

جمال الحياة في أن نعيشها ببساطة، نبتعد فيها عن التصنع، نكون فيها طبيعيين دون تكلف، نلتقط الصور الشخصية لأنفسنا وليس للتباهي والاستعراض ونشر الفضائح، الصورة في حد ذاتها فن من أنواع الفنون، ولكن عندما تتحول إلى شيء آخر فهي هنا قد أصبحت مرضاً نفسياً يحتاج إلى علاج فوري!

المصدر: صحيفة الإمارات اليوم