جمال الشحي
جمال الشحي
كاتب و ناشر من دولة الإمارات

طلقة الرحمة

آراء

في حفل التخرج السنوي لجامعة ستانفارد بالولايات المتحدة لعام 2005 وقف ستيف جوبز، وتحدث عن تجربته مع العمل والمرض والموت. كان بدوره يتحدث إلى آلاف الطلبة المقبلين على حياة جديدة، وفي طريقهم حينها لوداع حياة الدراسة المثيرة وبداية مسيرة العمل المختلفة.

كان ستيف جوبز متماسكاً جداً، وهو يتحدث عن المرض والموت للطلبة وبكل ثقة يسرد مصاعب حياته، وآلامه لتكون أملاً ومحفزاً للكثير من الخريجين الذين طغت عليهم حالة الإصغاء للكلمة أكثر من فرحة التخرج. أحياناً يستخدم الموت كتحفيز وتذكير بالحياة والعمل، وهذا ما أراده المتحدث، وقال إنه عندما تواجه الموت بصفه يومية، وتتعامل معه كأنك مغادر قريباً يصبح كل يوم تعيشه حياة كاملة، حياة مختلفة.

العمل يشكل علامة فارقة في حياتنا وهو المحرك الأساسي في هذه الحياة، وقد لا تستمر آلة الحياة بلا عمل، ويبقى البشر في دوامة العمل فترات طويلة من حياتهم، ويبقى خيار التوقف عن ممارسة العمل اليومي مرفوضاً عند الكثيرين، لأنه مصدر رزقهم. فإذا ترك أحدهم وظيفته، أو فصل لأي سبب، يعيش هذا الشخص حالة توتر وقلق مستمرين، ويسيطر عليه هاجس الفشل والخوف مما سيأتي، فالبقاء بلا عمل كالبقاء بلا أمل.

فالمقابل يقسو البعض على أنفسهم، ويبذلون جهداً غير مسبوق، ويبقون في حالة عمل طوال حياتهم ويكتشفون متأخرين جداً أنهم في هذه الحياة السريعة الوتيرة التي لاتنتظر أحداً بأنهم كانوا يعملون فقط ولا يعيشون.
تضيع لحظات مهمة ومناسبات مؤئرة في حياة الشخص وهو منهك بيومه، مشغول برزقه، وينسى وهو في الذروة أشياء وأوقات يمر عليها مرور الكرام قد تشكل علامة فارقة في حياته لو أنه انتبه لها في وقتها. وهنا لا ننقد فكرة العمل التي هي أساسية في حياتنا، ولكن المبالغة في الأشياء لها مردود سلبي على حياة أي فرد.

هل سألت نفسك يوماً هل أنت تعمل لتعيش؟ أو تعيش لتعمل؟

قد يكون التوقف عن العمل، أو تغيير الوظيفة لأي سبب طلقة الرحمة وبداية حياة جديدة للأفضل، لكن بعضنا، وفي ظل التوتر والقلق المصاحب للتغيير قد لا يرى الصورة كاملة، وبالتالي يفقد مرحلة مهمة من حياتة لو رتب أفكاره وأولوياته بهدوء وعمق قد تصنع الفارق.

الحياة ليست سهلة وأيضاً ليست صعبة. خياراتنا في كثير من الأحيان هي التي تحدد طريقة حياتنا بقدر قسوة الحياة وصعوبتها إلا أنها لا تكون أصعب وأقسى إذا لم تحاول النهوض من جديد هذه الفلسفة تفتح لنا آفاقاً كبيرة. تخيل ماذا سيحدث لو لم يستطع كثير من المبدعين والناجحين الوقوف مرة ثانية ومنهم صاحب شركة آبل.

يقال نحن نختار نهايتنا، وأضيف نحن أيضاً نختار بداياتنا. تحقيق الأحلام يبدأ بالنهوض أولاً، ومعرفة أن المكان يتسع للجميع، وأن السماء ببساطة تضم كل النجوم.

السبت 21 يناير 2012 – جريدة الاتحاد