بدرية البشر
بدرية البشر
كاتبة سعودية مقيمة في دبي

«طيران الإمارات»!

آراء

ليس لهذا الاسم علاقة بشركة طيران الإمارات في دبي، لكنه الاسم الجديد الذي منحته سيدة فيليبينية لمولودها الذي ولدته في طائرة تابعة لطيران الإمارات كانت تحلق بها على ارتفاع آلاف الأقدام، وقد ذكرني هذا الخبر بقصة مشابهة سمعتها عن رجل من البادية، حمل زوجته إلى المستشفى القريب من هجرتهم، فرزقه الله ببنت أسماها «دختورة» على اسم الدكتورة التي ولدت زوجته.

وقد عاشت الطفلة باسم «دختورة»، لكنها لم تصبح أبداً دكتورة، بل ربما أنها لم «تفك» الخط أبداً، لكن المثل يقول: «الصيت ولا الغنى»، لهذا تتجمل الأسماء حين يفقر الحال، لكن ليست كل الأسماء التي يختارها الأهالي لأ‍بنائهم تتجمل بالضرورة، فقد يحيلها البعض إلى تاريخ اجتماعي يعبّرون به عن معاشهم وثقافتهم وقيمهم، وقد شهدت المدارس التعليمية في مطلع التحديث صدمة بالأسماء، و فقرها للجمال جعل الناس تتساءل إن كان هذا الحال والأسماء مجانية، فما يكون حالها لو كانت «بفلوس»؟ فقد سمعنا قصصاً هي أقرب للطرف منها للحقائق، روتها بعض مديرات المدارس، وقمن بتوجيه طلبات إلى أولياء الأمور لتغيير أسماء طالبات عانين حرجاً بسبب أسمائهن.

أذكر واحدة منهن كان اسمها «جرادة»، ولعل الأب الصحراوي الذي عرف يوماً الجراد مصدراً من مصادر الغذاء من الأهمية، بحيث جعله اسماً في تاريخ عائلته، وقد تكون الفتاة قد حملته ضمن حملات البِرّ التي يقوم بها الوالد حين يسمي ابنته على والدته أو جدته، لكن الجرادة في المدينة لم تعد سوى حشرة قبيحة المظهر في كتاب العلوم ولا تليق باسم فتاة.

وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يحث الناس بطريقة لينة، ويصرفهم عن أسمائهم الخشنة، كحين قدم عليه رجلٌ وقال له إن اسمه «غراب» فقال له: بل «مسلم»، وآخر قال له اسمي «حزن» فقال له: بل «سهل»، وسيدة حضرت بين يديه قالت له: أنا «جشامة المدينة» فقال لها: بل «حسانة المدينة»، وأخرى قالت له: اسمي «عفر»، وهي الأرض التي لا تنبت، فقال لها بل «خضراء».

ودلّ صلى الله عليه وسلم الناس لما حُمد من الأسماء. والأسماء الحميدة ليست بالضرورة اسم «محمد»، بل كل حميد من الأسماء لا نار فيه، ولا حزن ولا فظاظة، وحين كنت أُدرّس في الجامعة مادة الأنثربولوجيا، وفيها فصول عن الإنسان القديم والظواهر الاجتماعية، كنت أدلل للطالبات بعلاقة الأسماء بالمناخ والبيئة التي يعيش فيها الإنسان، حيث تنتشر الأسماء ذات العلاقة بالزهر والورد في المناطق الزراعية، وأسماء البحر وجواهره في الساحل، وأسماء الوحشي من الصحراء وحيواناتها ونباتها، فلا تفهم ابنة المدينة حين تقابل فتاة اسمها وحشة أنها إشارة للجمال، وأنها تعادل اسم غادة عند الحضر، لهذا يصبح ما هو جميل في الصحراء نشازاً في المدينة، والمثل الذي يقول بأن كلاً له من اسمه نصيب يحث الناس على أن يجتهدوا في جعل نصيبهم منه سعداً أو شجاعة أو حمداً أو بشارة.

لا أدري ما هو حظ ذلك المولود الفيليبيني الجديد بعد أن أصبح اسمه طيران الإمارات، لكني آمل ألا تفرض عليه الحكومة الفيليبينية ضرائب فادحة، ظانة بأنه شركة وليس إنساناً.

المصدر: جريدة الحياة