عالم اليوم والغد

آراء

ما الذي علينا فعله في عالم تسوده التغيرات المفاجئة، لن ينفع أن نرى أنفسنا خارج العالم، إذا كنا قد تخلصنا من عبارة (خصوصيتنا) فعلينا أن ننظر للأمر اليوم من زاوية عملية، نبدأ العمل لصنع دورنا الذي نستحق أن نساهم به في نماء هذا العالم بعد إقرارنا أننا جزء منه.

تبارز الكتاب والصحفيون في المملكة على ترديد كلمة العالم أصبح قرية، اندلعت تلك المبارزة قبل حوالي ربع قرن، في زمن لم تسد فيه الإنترنت والسوشل ميديا وقبل أن يزداد الوعي الإنساني بالشراكة الكونية في قضايا تمس الكون كالاحتباس الحراري والتجارة العالمية، وقبل أن يصبح عدد الطائرات في الجو مئات الألوف في الدقيقة الواحدة، وقبل أن يتاح لك أن تشاهد في يومك الواحد نكتة أميركية وحادثة صينية ومأساة بورمية وفيلم أميركي.

كانت فكرة أن العالم قرية نبوءة أصبحت في الجيل الحالي حقيقة، لو جلست بالصدفة في لندن إلى جوار سائح صيني فبعد قليل من التحايا ستشعر أنك تعرفه ويعرفك، سيسألك بعض التوضيحات عن السعودية وسوف تسأله بعض التوضيحات عن الصين وستكشف أنه يعرف عنك ما يؤكد لك أن العالم أصبح فعلاً قرية صغيرة، بل سترى أن بينك وبينه أشياء حميمية كأنك من الرياض وكأنه من جدة.

ما يجري في فرنسا اليوم شأن عالمي، وما يجري في سورية شأن عالمي، وما يجري من إعدامات في إيران شأن عالمي، وما فعلته المراهقة رهف شأن عالمي، وما نقوله وما نسكت عنه شأن عالمي. ستختفي النظرة المحلية والاحساس بالخصوصية، ولم يعد التفسير المحلي للأحداث كافياً ومقنعاً، تتلقى الأسماع الآراء من مصادر بعضها صادق وبعضها مدلس وبعضها متعاطف وبعضها خليط من وجهات النظر المتضاربة والمتحاربة ومن أطراف العالم كله، وكما هي سنة الله لك أصدقاء في هذا العالم ولك أعداء أيضاً، لكن هذا الاصطفاف يتغير من زمن إلى آخر، عدو الأمس يصبح صديق اليوم، وصديق اليوم قد يصبح عدو الغد. فالعالم نفسه يتغير يوماً بعد يوم، الأفكار والقناعات تتبع المصالح والأهواء والقوة، لا ضمانات عليا أو حراسات عاطفية، لكن يبقى شيء واحد ثابت في هذا الاضطراب سيؤمن به الجميع هو الإنسان، المثل العليا التي يتشكل منها قوام الإنسانية ستبقى وتستمر، ستتساقط منها ما أثقلها من إنتاج الثقافات المحلية والتاريخية. سيكتشف الإنسان أن أسباب صراعاته ليست جزءاً من صميم أصالته وليست مما خلقنا الله من أجله.

المصدر : الرياض