جميل الذيابي
جميل الذيابي
كاتب وصحفي سعودي

.. عندما كُسر «التابو» وأُحرق «الكارد»!

آراء

هو بلا شك حدث الساعة، وحديث كل ساعة، داخل السعودية وخارجها. القرار الحازم الجريء، الذي اتخذه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز ليل (الثلاثاء) الماضي ٢٦ سبتمبر ٢٠١٧، ووضع به حداً لحظر قيادة المرأة السيارة بعد عقود طويلة من المنع والتحارب بين تيارات سعودية عدة. جاء القرار الشجاع ليكسر حاجزاً ظل «تابو» على مدى عقود من تاريخ الدولة السعودية..

وقد ظل هذا القلم يكتب ويعمل مع كثيرين من أبناء الوطن ونسائه للسماح بقيادة المرأة، ولذلك فإن الأمر الملكي «التاريخي» يمثل نقلة مجتمعية نوعية. كما يمثل دفعة قوية من جانب ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز للجهود المتواصلة ليل نهار لتحقيق طموحات رؤية المملكة 2030. وبالنسبة لمتابعي التطورات من كثب، كان واضحاً أن بشائر القرار الملكي قادمة لا محالة، خصوصاً أنه جاء بعد اتخاذ الملك سلمان عدداً من القرارات في مصلحة المرأة والمجتمع، خصوصاً تمكينها من الخدمات الحكومية دون اشتراط موافقة ولي الأمر. وهي إنجازات تواكب تعيين المرأة عضواً في مجلس الشورى، وإعطاءها حق الترشح والتصويت في الانتخابات البلدية، الذي بلغ ذروته -أخيراً- بتعيين أول سيدة مساعداً لرئيس بلدية الخبر. ولا بد أن الأمر الملكي القاضي بالسماح للمرأة بقيادة السيارة، كما هو واضح من نصه، لم يأت إلا بعد تمهل ودرس وتشاور، خصوصاً مع أعضاء هيئة كبار العلماء، التي رأت في بيانها الصادر (الأربعاء) أن الغرض من التصرفات الاجتهادية لولي الأمر هو «تحصيل المصالح وتكميلها، ودرء المفاسد وتقليلها».

وبما أنه لم يحن بعد الوقت الملائم لدرس وتعديد المكاسب الاجتماعية والاقتصادية التي ستجنيها البلاد من السماح بقيادة المرأة السيارة، إلا أنه يمثل ضربة في مقتل للمنظمات والهيئات التي تقتات من الإساءة لسمعة المملكة. فجاء قرار الملك سلمان ليحرق تلك الورقة. ولاحظنا أن الصحف الأمريكية والبريطانية الصادرة (الأربعاء) الماضي تناولت القرار بتعاطف كبير مع المملكة، وشددت على أنه يعتبر بياناً عملياً بجدية السعوديين في تحديث بلادهم، وتحقيق رؤيتهم الاقتصادية والمجتمعية الطموحة. وكان كبار زعماء العالم أول من أعربوا عن سعادتهم بالقرار، خصوصاً الرئيس دونالد ترمب، ورئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش. السعودية بعد 26 سبتمبر 2017، لم تعد كما كانت قبله. وقد كانت عضو مجلس الشورى الدكتورة لطيفة الشعلان، وهي أبرز المدافعات عن ملف قيادة المرأة، محقة تماماً في وصفها مجلس الشورى، في جلسة (الأربعاء)، بأنه «متخلف بسنوات ضوئية عن الحكومة». فقد وأد المجلس، من خلال أعضاء ولجان، مساعي الدفع بملف قيادة المرأة، وكانت محقة أيضاً في تحذيرها من مغبة عدم تغيير آلية تعامله مع التوصيات والمشاريع التي يتقدم بها الأعضاء، ومن أن على المجلس على الأقل أن يواكب مبادرات الحكومة، في وقت تشهد فيه المملكة هذه التحولات الجذرية التي ستنهض بها وبأجيالها الشابة إلى واقع جديد، يتيح لها القيام بأعبائها تجاه شعبها، وتجاه المجتمع الدولي الذي يعلق آمالاً عراضاً على الدور السعودي في استقرار الاقتصاد العالمي، وأسواق النفط، ومستقبل اتجاهات الطاقة. الأكيد أنه بالقيادة الحكيمة والقرار الشجاع المدروس تقاد الأمم، وبتمكين المرأة تتحقق المساواة العادلة بين فئات المجتمع، في ظل ثوابت الدولة السعودية، وبأعراف الشعب السعودي النبيل وأخلاقه وطموحات شبابه التي كما قال ولي العهد الأمير محمد بن سلمان «لايحدها إلا عنان السماء».

المصدر: عكاظ