حمود أبو طالب
حمود أبو طالب
كاتب سعودي

«فـرمل» يا شيخ محمد

آراء

لا أعتقد أن الشيخ محمد العريفي كان موفقا في الكيفية التي أراد بها التراجع عن رأيه في تنظيم القاعدة الذي صدمنا به في حواره مع قناة الجزيرة، فمن ناحية كان عليه أن يبادر إلى التراجع بشكل مباشر وليس في سياق سؤال لأحد المشاهدين في برنامج تلفزيوني، حيث يبدو أن السؤال كان مرتبا مسبقا نظرا للديباجة التي استهل بها السائل من التزكية والتبرئة للعريفي قبل أن يجيب، كتمهيد أو تحضير للمشاهد كي يتقبل اعتذاره. ومن ناحية أخرى، فإن المعلومات التي تضمنها الاعتذار باهتة لا تناسب أهمية الموضوع وخطورته، وربما تدين العريفي أكثر مما تبرئه، ولذلك يبدو الموضوع وكأنه فيلم قصير ضعيف الفكرة والإخراج، فماذا لو لم يسأل سائل عن رأي العريفي في القاعدة، هل كان سيصمت ويبقى عند ذلك الرأي؟.

وحين يقول العريفي أنه استند في قوله عن أتباع القاعدة إلى حوارات مع بعض المهتمين بالتنظيم، ثم تبين له أنها معلومات خاطئة، وأنه بعد اطلاعه على بعض الكتب التي يؤصل فيها التنظيم لمنهجه وجد أن (عددا) من المنتسبين إليه لديهم تساهل في تكفير المسلمين وإراقة الدماء، أقول إن مثل هذا القول لا يمكن أن يهضمه أحد حين يصدر من أستاذ جامعة بدرجة دكتوراة وداعية وواعظ شهير له الملايين من الأتباع المفتونين والمؤمنين بكل كلمة يقولها. كيف يمكن لأستاذ جامعي أن يتصدر للرأي في قضية خطيرة كتنظيم القاعدة دون أن يقرأ الكتب التي تؤصل لمنهجهم؟ من الصعب تصديق أن الشيخ العريفي لم يقرأ كتبا كتلك، وإذا كان ذلك كذلك، فإنها كارثة تهز مصداقية العريفي في كثير من الآراء والفتاوى والقضايا التي أثارها، بل الأخطر من ذلك هو كيف كان يناصح ويتصدى لفكر لم يقرأ عنه إلا قبل يومين أو ثلاثة؟؟

إن فكر القاعدة لا يحتاج إلى خبراء ومراكز دراسات لكي يتبين للناس منهجه التدميري، ولا يحتاج إلى مراجعة كتب للتأكد من وحشيته ودمويته، فالأحداث التي شهدناها في بلادنا وغيرها من البلدان وتسببت في إزهاق الأرواح وإراقة دماء الأبرياء هي أصدق شاهد على طبيعة فكر القاعدة الذي يؤمن به كل أتباعه وليس عدد منهم ــ كما يقول العريفي في تراجعه المرتبك. وإذا كان قد بنى رأيه السابق على معلومات استنتجها من حوارات مع بعض المهتمين بتنظيم القاعدة، فمن حق المجتمع أن يعرف من هم هؤلاء المرجعيات الذي يبرئون تنظيم القاعدة من التكفير وإراقة الدماء؛ لأن وجودهم خطر كبير علينا، ولا بد من معرفة الأوكار التي يندسون فيها وينفثون منها سمومهم.

المسألة ليست كما أراد العريفي أن يستشهد بقول «لا يمنعنك قضاء قضيته بالأمس فراجعت عقلك وهديت لرشدك أن ترجع للحق»؛ لأن القضاء في أمر قد يتضرر منه شخص أو عدد محدود من الأشخاص، وعليه فلا مقارنة بين أمر كهذا وإطلاق رأي في قضية خطيرة من شخص يبصم الملايين دون وعي على صدق ما يقوله.. لا بد أن تستخدم «الفرامل» في بعض الأمور يا شيخ محمد..

المصدر: عكاظ