السعد المنهالي
السعد المنهالي
كاتبة إماراتية

«فقد» من منظور آخر

آراء

قدم الروائي البرتغالي «خوسيه ساراماغو» نظرته المتشائمة للنفس الإنسانية باستخدام آلية «الفقد الجماعي» بشكل مثير في أعماله الأدبية، ما بين أن يفقد الإنسان البصر بشكل جماعي كما في «العمى» أو يفقد الحق في الموت على مستوى الجموع كما في رواية «انقطاعات الموت». هذه حقيقة، فأعمال ساراماغو تفضح حقيقة بعض البشر التي تظهر بكل جلاء عندما تكون الظروف «ليست على ما يرام». وهذه العبارة رغم بساطتها، إلا أن لها دلالات واسعة، وقابلة للاستخدام في ظروف عديدة، تبدأ من حالة زكام لدى البعض أو انتفاض بركان في حالات أخرى. يستخدم ساراماغو فانتازيته بشكل عبقري ليصف تصرفات البشر عندما يفقدون أمراً اعتادوا عليه. وعلى نفس الشاكلة ظهرت أعمال أخرى، تصف إلى أي درجة يصبح الأمر خارجاً عن السيطرة عندما يتم هذا الفقد بشكل جماعي، كأن يستحيل النوم كما ظهر في فيلم «Awake» أو الاستيقاظ، فتبدأ تداعيات ذلك على البشر بشكل مخيف يجردهم من إنسانيتهم.

حسناً.. ما رأيكم لو فقد البشر قدرتهم على التواصل والحوار؟ قد يعتقد البعض أن ذلك أقل وطأة من فقدان البصر أو النوم، غير أن الحقيقة أن تداعيات ذلك لا تقل خطورة، وإن كانت أبطأ مقابل الأخرى التي تظهر سريعاً على نظامنا الصحي والعقلي. فغياب القدرة على التواصل والحوار أمر قد يدمر العلاقات أو يؤدي لتشويهها في أفضل الأحيان، ولنا في العلاقات الأسرية أقرب نموذج على ذلك عندما ينعدم الحوار بين الأزواج أو الأبناء، وما يتبعه من موت بطيء لعلاقات من المفترض أنها علاقات دم!

خلال العام الثاني من الجائحة التي ابتلينا بها، بدأت ألاحظ على نفسي تراجعاً في قدراتي الحوارية وملكات التواصل التي أدركها جيداً فيّ، بدأت أميل إلى الصمت وعدم المشاركة في الحوارات مع الناس، لم أعد أملك قدرة على دخول نقاشات مع الآخرين أو فتح مواضيع كنت وما زلت على قناعة بأهميتها. لم أعد أعبأ بإبداء رأيي كما اعتدت عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وذلك رغم أني من المجموعة الملتزمة بالذهاب إلى مقار العمل، فكيف هو حال من بقي عمله عن بُعد منذ بداية الجائحة! وبدأت أفكر بتأثيرات الجائحة على قدراتنا في التواصل مع الآخرين، ماذا لو كان هذا الأمر جماعياً، كيف ستكون تداعيات ذلك على البشرية جمعاء، وكيف كان سيتعامل ساراماغو مع هذه المَلكة المفقودة، وأي جوانب غير إنسانية ستظهر فينا.. يا ترى؟

المصدر: الاتحاد