فيصل عبيد العيان نائب رئيس أكاديمية ربدان: التنظيمات الإرهابية تتلون لتجنيد الشباب باسم الدين

مقابلات

حوار: أحمد عبد العزيز

أكد الدكتور فيصل عبيد العيان، نائب رئيس أكاديمية ربدان، أن مؤتمر القادة لحروب القرن الواحد والعشرين من الأحداث المهمة، لطرحه محاور عدة، أبرزها تتحدث عن تغيير مفاهيم الصراع وخروجها من الإطار العسكري التقليدي، إذ أصبحت التحديات أكثر تعقيداً من القرن العشرين الذي امتاز بأنه أكثر دموية، ولذلك فإن القرن الحادي والعشرين لن يكون أفضل منه.

وأضاف في حوار خاص مع «الاتحاد»، على هامش مؤتمر القادة لحروب القرن الواحد والعشرين: «إن أهم ما استعرضه المؤتمر الوضع الراهن الذي تمر به المنطقة، والتهديدات التي تضرب مناطق عدة بها، حيث إن عدد المليشيات العسكرية الموجودة حالياً في الشرق الأوسط تجاوزت الدول العربية عدداً، وأصبحت موزعة على معظم الأقطار العربية، وتعمل على نزع الاستقرار منها، وتحويلها إلى دول غير وطنية أو تسلبها أو تسيطر عليها أو تحاول أن تزيح حكومة أو تشيع فوضى فيها».

وأوضح أن أهداف هذه المليشيات تختلف من منطقة إلى أخرى، ومن دولة إلى ثانية، ومن زاوية إلى أخرى، وكلها في النهاية تصب في هدف واحد، وهو هدم الشرق الأوسط، ونزع الاستقرار منه، وزعزعة السلم فيه، وعندما نتحدث عن الحروب المستقبلية أو حروب الجيل الرابع أو الحروب غير المتماثلة الكل يصب في بوتقة واحدة، حيث إن أدوات الحرب اليوم تختلف عن السابق، وإمكانات هذه المجموعات حتى ولو كانت بسيطة فهي قادرة على تدمير مجتمعات بأسرها، فاليوم فرد واحد مع تمويل بسيط يمكن أن يقتل المئات وآلاف الأشخاص، ومثال على ذلك أحداث 11 سبتمبر عام 2001، حيث استطاعت مجموعة بتمويل بسيط أن تهز دولة مثل الولايات المتحدة الأميركية.

وأوضح: «كنا نتكلم عن القاعدة في الماضي، ولم يتصور أحد أن يأتي تنظيم إرهابي مثل (داعش)، إذ إن القاعدة استطاعت بمنهجها القديم أن تحدث ضربات مؤثرة دولياً، و(داعش) استطاع أيضاً السيطرة على جزء كبير من العراق وسوريا، ولديه معسكرات تدريب في ليبيا، أي أن الحروب في القرن الحادي والعشرين أمرها معقد جداً، مع وجود تغيرات معلومة ومجهولة للمنطقة، ويجب على مؤسساتنا في دول مجلس التعاون الخليجي أو منطقة الشرق الأوسط أو العالم ككل أن تكون قابلة للتغير وإعادة الهيكلة للتعامل مع هذه المتغيرات الطارئة على العالم».

تحديات مستقبلية

وقال: «علينا أن نعي تماماً أن المؤسسات الحكومية لديها القدرة الكافية للتعامل مع المتغيرات، إلا أننا في المستقبل لا بد أن يكون لدينا أدوات مختلفة تماماً عن اليوم، حيث إنه لا يمكن مواجهة مجموعات غير أخلاقية، وتعمل بشكل خارج عن القوانين، بالطرق التقليدية؛ لأن المعادلات تختلف ونظريات الربح والخسارة في هذه المعارك ليست في السابق، وهذه الجماعات الإرهابية لديها صبر طويل، وتاريخ في الكر والفر، ولديها منظومة مالية تختلف تماماً عن التي شهدناها في تنظيم القاعدة، التي كانت تعتمد على التمويل من المتعاطفين معها والتبرعات فقط، أي أن التنظيمات الحالية لديها مصادر أخرى، وخطوط متعددة للتمويل، وبالتالي أصبحت أكثر تماسكاً من التنظيمات التي كانت موجودة في القرن العشرين، حيث إن التنظمات الموجودة الآن لديها نظام ضريبي وسبايا والتجارة غير أخلاقية وبيع النفط والاستيلاء على بنوك ومقدرات دول وتجارة الآثار، علاوة على دعم بعض الدول، وحروب بالوكالة، وأجندات خلفية، وكل هذه العوامل تؤثر في استمرارية هذه التنظيمات».

وأضاف: «لا بد من التكاتف وتوحيد الجهود والدخول في تحالفات جديدة لمواجهة هذه التنظيمات، وعلى دول العالم أن تعلم بأن حدوث هذه التوترات في دولة معينة بعيدة عنها ربما ستكون محدودة، إلا أن هناك احتمالات كبيرة بأن تخرج هذه الجماعات، وتصل إلى دول أخرى في نطاقها، وتكون عابرة لمحيطات ولمناطق أخرى، ومثال على ذلك «داعش» التي انتقلت من شمال أفريقيا إلى قلبها وإلى الشرق الأوسط وبعض مناطق أوروبا، أي أن فكر هذه التنظيمات الإرهابية اختلف عن الماضي، حيث أصبح الفرد منها يعمل من دون مركزية، ويمكن أن ينفذ عمليات من دون الرجوع إلى من يحركه، وليس بالضرورة أن يتواصل مع الجماعة الأم لتنفيذ العمليات وتلقي الأوامر بل أصبح لديهم القدرة على تقدير المواقف وإحداث كوارث في أي مكان، وذلك وفق نظرية «الذئاب المنفردة».

تلون التنظيمات الإرهابية

وحذر الدكتور العيان من تلون التنظيمات الإرهابية مثل «داعش»، وأذرعها التي تقوم بأسماء مختلفة بتجنيد الشباب، ومن ثم تبدأ إثارة المخاوف لدى المجتمعات، وعليه تعمد الأسماء الجديدة إلى تجنيد شباب آخرين أيضاً، مشيراً إلى أن هذه الجماعات لديها أجيال جديدة أكثر تطوراً، وإمكانات تكنولوجية وقدرة على اختراق وسائل التواصل الاجتماعي؛ لأن هذه التنظيمات تركز على تجنيد الشباب اليافعين بأعمار صغيرة من 16 – 20 عاماً لمعرفتهم بالوسائل التقنية المتطورة، وتعلقهم بها، الأمر الذي يخلق لهم عالماً موازياً وأداة إعلامية غير مسبوقة عبر التواصل الاجتماعي، عكس الجيل الماضي الذي كان يعتمد على بث شرائط تقليدية، أما الآن فهذه التنظيمات تعتمد على مجموعة من الشباب وتدريبهم لهدم المنطقة وتحويلها من دول نظامية إلى غير نظامية أو غير وطنية.

وأكد أن هذه الجماعات تتخذ من الدين ستاراً لتجذب به الشباب الصغير وتبدأ في تجنيده، علاوة على قراءة النصوص الدينية وتفسيرها بأسلوب متطرف، كما لديهم مشكلات أخلاقية كثيرة، ولديهم العقاب أكثر من الثواب، والهدم أكثر من البناء، وجردوا الدين من تعليماته السمحة، كما أن لديهم آليات جديدة تناسب المنطقة والوضع الحالي والمتغيرات التي تحدث، ووجود هذه الجماعات اليوم ليس عبثاً، ولكن لتنفيذ أهداف محددة.

ولفت إلى أن المجتمع الدولي لا بد أن يكون له موقف واضح تجاه هذه الجماعات الإرهابية والدول التي تمولها، ولوقف تمدد وانتشار هذه الجماعات اتخذت دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ومصر والبحرين إجراءات تجاه الدول الداعمة للإرهاب والممولة له، لأن هذه الجماعات والتنظيمات الإرهابية تتعاون وتتداخل مع بعضها بعضاً، وهذا أمر غاية في الخطورة.

وأكد أن دولة الإمارات قامت بسن تشريعات للحد من الغلو والتطرف والتشدد الديني، وكذلك لصد الإرهاب في القنوات المجتمعية أو الرسمية، ونتمنى أن تتجه دول العالم في هذا الاتجاه، الأمر الذي سيؤدي إلى تجفيف منابع الجماعات الإرهابية المتطرفة، كما أنه لابد أن يكون هناك تبادل معلوماتي حقيقي على أسس قوية لمجابهة هذه التنظيمات، علاوة على وجود مواقف واضحة من الدول التي تتصدى للإرهاب، للوقوف أمام الدول الخارجة عن المألوف، والتي تهدف إلى هدم مقدرات دول أخرى وزعزعة أمنها واستقرارها وتشريد شعوبها، وما قامت به الإمارات والسعودية ومصر والبحرين مثال يحتذى على ذلك، إذ تكاتفت معاً على مقاطعة قطر، بسبب دعمها لتنظيمات إرهابية، وعلى المجتمع الدولي أيضاً أن يعمل على الوقوف أمام هذه الدول التي تمول الإرهاب وتدعمه حتى ترتدع وترجع عن موقفها، موضحاً أن مواقف الدول الأربع غير قابلة للجدل أو نقاش، ولن تقبل بوجود تنظميات إرهابية في المنطقة، وتسعى بفكر واحد واستراتيجية واحدة لهدم هذه التنظيمات التي لا يوجد لديها أخلاق، وهي خارجة أصلاً على القانون، ولا يمكن الجلوس معهم على طاولة واحدة، أي كيف يمكن إعطاء الشرعية لمجرم؟، إذاً لن يكون هناك حوار مع هؤلاء.

استشراف المستقبل

وعن قراءة متأنية للسنوات المقبلة، قال الدكتور العيان: «إن الفترة المقبلة سيكون التركيز فيها على وقف الزحف للتنظيمات المتطرفة في المنطقة، وهناك بالفعل انتصارات واضحة على الساحة الدولية، واليمن مثال على ذلك، من حيث ملاحقة القاعدة في أوكارها خصوصاً في الجنوب، وما فعلته قوات الشرعية والتحالف في اليمن ضد القاعدة والحوثيين وميليشيات علي صالح، الذي يعمل على زعزعة الاستقرار في اليمن، لذلك يجب أن تكون الجهود أكثر فاعلية، حيث إن المشكلة يمكن أن تكون ممتدة، وبالتالي لا بد من وجود جهد مكثف وإيمان صادق وتشريعات واضحة وتبادل معلوماتي واستخباراتي بين هذه الدول التي تحمل أجندة وطنية واحدة لمواجهة الإرهاب بشتى أشكاله، إذا كنا نريد أن تخرج منطقة الشرق الأوسط إلى بر الأمان، ويجب ألا يكون هناك تهاون مع هذه التنظيمات».

وختم: إن المنطقة تحتاج إلى تكاتف وتوحد، لا انفصال وتفتت، وهو ما يقوم به إقليم كردستان العراق، في مراجعة موقفه من الانفصال، حيث إنهم سيواجهون «داعش» والتنظيمات الأخرى والحشد الشعبي، وكذلك القوات النظامية للعراق، التي ستتحرك للحفاظ على وحدة الدولة ومنع انفصال أي جزء عن أراضيه، وذلك لأن تسرع الأكراد في الاستفتاء يضعفهم ولن يقويهم، وسيفتح أبواب الصراع عليهم، نتيجة وجود تنظيمات إرهابية، تنتظر هذه الفرصة، إلا أن الجهود السعودية والإماراتية تأتي في هذا الإطار لإرجاع العراق إلى الحضن العربي، وذلك في إطار التوحد الذي ننشده لمواجهة أخطار الإرهاب والحرب بالوكالة وتفتيت المنطقة، لافتاً إلى ضرورة تأكيد أنه لا يوجد عداء تاريخي بين الدول العربية والعراق إلا أن هناك عداءً تاريخياً بين إيران والعراق.

المصدر: الاتحاد