علي عبيد
علي عبيد
كاتب وإعلامي من دولة الإمارات العربية المتحدة

في انتظار الطائر الأزرق

آراء

حب من طرف واحد؛ هذا هو التعبير الأكثر لفتاً للانتباه الذي وصف به المحللون ومحررو صفحات التكنولوجيا العلاقةَ بين الملياردير الأمريكي المثير للجدل إيلون ماسك، ومنصة التواصل الاجتماعي الشهيرة تويتر.

ربما كان لهذا الوصف أسباب، لكن الواقع أن هذا الحب الذي هو من طرف واحد، هو طرف إيلون ماسك، انتصر أخيراً، فاستولى ماسك على المنصة كلها، وأصبح الحبيب والمالك الشرعي لها، بعد أن دفع مهراً خرافياً مقداره 44 مليار دولار، وهو مبلغ يفوق كثيراً عدد متابعيه على المنصة، الذي يبلغ 83.8 مليون متابع قبل شرائه للمنصة، وإن كان هذا العدد ليس بالقليل وفق حسابات وقواعد منصات التواصل الاجتماعي المتعارف عليها.

ربما يتبادر إلى الذهن أن هدف ماسك من صفقة ذات رقم خرافي مثل هذا هو الربح، خاصة وأن رجلاً مثل ماسك يحسبها بالسنت قبل الدولار، لكن ماسك يستبعد هذا الهدف، ويقول في تصريح مثير للتساؤل، ولكن ليس للاستغراب؛ إنه غير مهتم بجني الأرباح من وراء ذلك، فهو لديه الكثير، ويمكن لأصحاب المليارات أن يكون لديهم أولويات مختلفة، مؤكداً أنه يرغب في رؤية «تويتر» تحقق إمكاناتها غير العادية.

تغريدات ماسك على منصة تويتر، قبل امتلاكه لها، لم تكن مثيرة للجدل فقط، بل كانت رافعة خافضة لأسهم بعض الشركات، ومنها شركته الأشهر «تيسلا» للسيارات الكهربائية. فقد تسببت تغريدة دوّنها عام 2020 على المنصة إلى تراجع القيمة السوقية للشركة حوالي 14 مليار دولار، بعد أن رجح أن سعر سهم الشركة «مرتفع للغاية».

كما تراجع نصيب ماسك الشخصي في «تيسلا» نحو 3 مليارات دولار، بعد أن هرع المستثمرون في أسهم الشركة إلى بيع أسهمهم عقب التغريدة التي نشرها على حسابه، وجاء فيها: «أرى أن سهم تيسلا مرتفع للغاية من وجهة نظري الشخصية».

أما تغريدات ماسك حول عملة «بيتكوين» فقد أدت إلى تذبذب سعر العملة، وربيباتها من العملات المشفرة، بين الصعود والهبوط أكثر من مرة، فقد هبط سعر أكبر العملات المشفرة في العالم من نحو 54 ألفاً و819 دولاراً إلى 45 ألفاً و700 دولار عندما غرد ماسك في شهر مارس 2021 قائلاً إن شركة تيسلا ستوقف قبول الدفع بالعملة المشفرة مقابل سياراتها. وكانت تيسلا قد اشترت في شهر فبراير من العام نفسه 1.5 مليار من عملة البيتكوين، مما ساعد في رفع سعر العملة إلى أعلى مستوى لها في ذلك الوقت.

إيلون ماسك لا يسعى إذاً للربح من شرائه للمنصة بهذا المبلغ الخرافي، الذي لم يكن يخطر على بال أصحاب المنصة نفسها عندما طرحوها للبيع، فما الذي يسعى إليه إذاً؟

التصريحات الأولية لماسك تشير إلى أنه ينوي إحداث سلسلة من التغييرات سعياً إلى تخفيف القيود على المحتوى والقضاء على الحسابات المزيفة. هذا هو ما عبر عنه ماسك وهو يعلن عن الصفقة قائلاً: «حرية التعبير هي حجر الأساس لديمقراطية فاعلة، وتويتر هو ساحة مدينة رقمية، حيث تتم مناقشة الأمور الحيوية لمستقبل البشرية». ثمة تصريحات تالية تصب في الإطار نفسه، وتركز على جعل «تويتر» أفضل من أي وقت مضى من خلال تحسين المنتج بميزات جديدة، وجعل الخوارزميات مفتوحة المصدر لزيادة الثقة، وهزيمة روبوتات البريد العشوائي، ومصادقة جميع البشر.

هاجس الحرية إذاً، كما يبدو من التصريحات، هو ما يشغل بال إيلون ماسك، وهو الدافع الأول لشرائه هذه المنصة التي هي واحدة من أهم منصات التواصل الاجتماعي المعنية بالتعبير عن آراء البشر، بغض النظر عن جنسياتهم وألوانهم ووظائفهم ومناصبهم السياسية. بمعنى آخر، تشكل السيطرة على المحتوى المقصد الأول من صفقة الشراء التي ستكتمل في وقت لاحق من هذا العام، حيث سيتم شطب أسهم تويتر، ويصبح ملكية خاصة تماماً لماسك، الذي يقول إن هذا سيمنحه الحرية لإجراء التغييرات التي يريدها.

السلطة التي تملكها منصات التواصل الاجتماعي أصبحت اليوم أقوى من السلطة التي تملكها بعض حكومات العالم، بدليل أن تويتر حظر العام الماضي الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، متهماً إياه بالتحريض على العنف. وربما لهذا جاءت بعض التصريحات من بعض الجهات السياسية مطالبة بالتحلي بالمسؤولية، منبهة إلى ضرورة حماية مستخدمي الموقع، ومتسائلة عن إمكانية عودة ترامب إلى المنصة.

هل سيكون تويتر ما بعد استحواذ ماسك عليه هو تويتر ما قبل الاستحواذ؟

هذا هو السؤال الذي يتطلع مستخدمو الموقع والمراقبون إلى معرفة إجابته، فلننتظر، إذ ربما جاءنا طائر تويتر الأزرق بالجواب الشافي، مثلما جاء الهدهدُ سليمانَ من سبأ بنبأ يقين.

المصدر: البيان