علي الظفيري
علي الظفيري
كاتب وإعلامي سعودي، وُلد في دولة الكويت في 19 أكتوبر 1975. حصل على بكالوريوس علم نفس تربوي من كلية التربية في جامعة الكويت عام 1997، ثم دبلوم إعلام من جامعة الملك سعود في الرياض عام 1999. عمل في جريدة الوطن السعودية في الفترة من 2002 إلى 2004، وإذاعة وتلفزيون المملكة العربية السعودية ما بين عامي 2000 و2004. يعمل حالياً كمذيع ومقدم برامج سياسية في قناة الجزيرة القطرية.

في بلادهم وليس هنا!

آراء

ليس مصادفة أبداً ما ورد في خطاب رجب طيب أردوغان بعد نجاح حزبه في الانتخابات التركية، فحين يحدد الزعيم التركي البارز أسماء المدن التي يجب أن تفرح بنجاحه (غزة ودمشق وبيروت وسراييفو…إلخ)، إنما يحدد للعالم الحيز الاستراتيجي الجديد لبلاده، هذا هو الفضاء التركي للجمهورية المسلمة التي يتنامى نفوذها يوما بعد يوم على الساحة الدولية والإقليمية، يقول أردوغان وتركيا للعالم لسنا بوابة العبور بين الشرق والغرب فحسب، نحن أيضا الشرطي الذي يقف على هذه البوابة، ولا يمر شيء دون إذنه وموافقته ومطابقته للشروط التي يضعها، وبعد أن أدى مشوار الانضمام للاتحاد الأوروبي كل أغراضه الداخلية، يقول أردوغان للعالم بشكل غير مباشر، لا نريد أن نكون عضواً في اتحاد العجزة الأوروبيين، فتركيا أكبر من قيود هذه العضوية وأكثر شبابا وحيوية من ذلك!
كان الدكتور عبدالله النفيسي يقول في لقاء تلفزيوني سابق معه: شعوب هذه المنطقة ترحب بالعلاقة مع تركيا وترحب بدور أكبر لها في العالم العربي، ومن الواضح أن رأي الدكتور النفيسي يلتقي مع آراء أخرى لكثير من أبناء المنطقة، فقد لاحظنا الترحيب الشعبي الحار والفرحة العارمة بفوز العدالة والتنمية في تركيا، وهناك وجاهة في الترحيب بعلاقة أكبر مع تركيا مقابل النفوذ الإيراني الذي يُحاصَر يوما بعد يوم، تركيا بلد تطورت ديمقراطيته بشكل لافت في السنوات الأخيرة، وشكلت مواقف زعيمه أردوغان رافعة شعبية للأتراك في منطقتنا، شاهدناه داعما لحركة حماس يوم حوصرت عربيا ودوليا، وإن كان دعمه عند الحد الأدنى، وشاهدنا انفعالاته وخطبه التي ألهبت المشاعر في زمن عربي تردى فيه كل شيء، الخلفية الإسلامية لحزب العدالة والعلمانية التي تحكم تركيا تشكل نموذجا مقبولا في المنطقة مقابل تشدد ديني وسلوكي لدى بعض التيارات وانفراط دينيّ وموقفيّ لدى تيارات أخرى، شكّل هذا مجتمِعاً جملة العوامل التي سهلت قبول تركيا في المنطقة، دون إغفال مسألة مهمة تتعلق بإيران الشيعية مقابل تركيا السنية، فالدول التي تدعم الأقليات تقوم بدور شبيه بما قام به الاستعمار الغربي للمنطقة، أما التماهي مع الغالبية فهذا لا يستدعي إثارة النعرات المذهبية أو العرقية في الغالب.
باختصار، يمكن القول إن تركيا بلد رائع، كل ما حدث في العقد الأخير ملهم في هذا البلد، لا من حيث النمو الاقتصادي وزيادة نفوذها الإقليمي بشكل لافت فقط، بل في تلك القدرة العجيبة على الموازنة والمواءمة بين تطلعاتها الأوروبية وأدوارها الأطلسية وإدراكها قيمة الشرق وأهميته في لعبة السياسة الدولية، وما هي إلا سنوات حتى استطاعت مزاحمة اللاعبين الدوليين والإقليميين في المنطقة، جيء بالأستاذ الجامعي أحمد داوود أوغلو ووضع في مقعد وزير الخارجية كما تفعل الدول المحترمة لا كما نفعل نحن، فكانت الأعوام العشرة كافية لإحداث أهم تحول في مسار الجمهورية التركية الحديثة، وكما يحدث دائما بكل أسف، تستقبل المنطقة العربية الإشارات القادمة بالطريقة الخطأ، يضع العرب الدولة الصاعدة في إطار المخلِّص والمنقذ، ونهتف جميعا باسم رجب طيب أردوغان!
لا أعيب على الاحتفاء بالدور التركي في المنطقة، فكلنا يفعل ذلك بشكل أو بآخر، إنما المصيبة في القابلية لدى شرائح كبيرة بكل ما تقوم به تركيا وما ستقوم به في السنوات القادمة، وهو ما يعزز من جهلنا أو تجاهلنا لوجه الخلل الرئيسي المتمثل بضعف السيادة لدى الدولة العربية الناتج عن قلق وارتباك في مسألة الهوية وغياب الديمقراطية، وهو ما قامت الثورات العربية من أجل معالجته وتغييره، لا من أجل أن تقوم تركيا بالتدخل أكثر مما تفعل الآن ويكون لها النفوذ الأكبر في بلداننا العربية، وسوريا خير مثال على ما نقول، نحن على أبواب تدخل عسكري محدود ونفوذ سياسي تركي أكبر فيها إذا استمرت الأحوال على ما هي عليه، وليس الحديث هنا عن دعم تركي للثورة الشعبية ومطالب الديمقراطية في المنطقة، بل عن أمور أكبر وأشمل من هذا الدعم المطلوب والمرحب به.
يستطيع المرء أن يعدد مزايا كثيرة لإيران في المنطقة، موقفها من منظمة التحرير وحركة حماس فيما بعد، دعمها بشكل كامل للمقاومة في وجه إسرائيل، وينسحب الأمر على تركيا وغيرها من الدول، بل إن البعض يرى في الاستعمار مزايا وآثاراً إيجابية تركها من خلفه في المنطقة، في بلدان المغرب العربي ولبنان ثمة من لا يزال يتغنى بفرنسا وإنجلترا، وهذا كله راجع إلى خلل في المشروع الوطني وعدم تحققه بالشكل المطلوب، وأي ترحيب جزئي بالأجنبي هو ترحيب كامل به من حيث لا نعلم، وعلينا أن نتذكر دائما «إنهم لا يحضرون لذات الأسباب التي نتخيلها نحن»، وعلينا دائما أن نفصل بين الإعجاب بالآخر ومجيئه إلينا!

صحيفة العرب القطرية