في ظل الإعلان عن “صفقة القرن”.. هل سيفوت الشعب الفلسطيني الفرصة مرة أخرى؟

آراء

تونس ــــ خاص لهات بوست

تابع العالم بأسره البارحة الإعلان الأمريكي عن “صفقة القرن” التي تلقاه،الشارع العربي،بردود فعل مختلفة منها الشعبي الغاضب على مواقع التواصل الإجتماعي وفي بعض الشوارع،ومنها “المستحسن” على الصعيد الرسمي لما اعتباره بعض المسؤولين العرب مجالا يفتح أمام رؤية جديدة للسلام في الشرق الأوسط وفرصة لفض النزاع المستمر منذ عقود خلت..لكن السؤال الذي يتبادر للذهن في خضم هذه التفاعلات والذي نستحضره بقوة اليوم هو “هل سيقبل الشعب الفلسطيني “صفقة القرن” أم أنه سيفوت الفرصة مثلما فعل مع مشروع تسوية النزاع العربي ـــ الإسرائيلي الذي تقدم به الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة منذ 21 أفريل 1965؟”…

خطوة غير مسبوقة

55 سنة مرت على ظهور الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة يخطب بالفلسطينيين في مدينة اريحا بالضفة الغربية مشيدا بصلابتهم وإصرارهم على استعادة الحقوق العربية المنهوبة،وهو يحثهم على عدم الركون الى الخطب الحماسية والعواطف بل صياغة مواقف عملية وواقعية وخطط لمواجهة مغتصبي الحق فضلا عن البحث عن قيادة واعية تتمتع بإجماع شعبي لقيادة مسيرة التحرير التي يجب ان يتقدم صفوفها أصحاب الحق أولا..ولكن اليوم وظل صفقة القرن التي تم الإعلان عليها نستحضر ما جاء في خطاب الحبيب بورقيبة في تلك الفترة ونطرح السؤال حول أهمية أن يتم التعامل مع التطورات العالمية والإقليمية اليوم وتطور المواقف العربية من القضية الفلسطينية،والنظر لمسألة السلام في الشرق الأوسط من زاويا نظر جديدة تضمن مسألة التعايش بين الجميع وكف النزاع والحرب وتوفير سبل العيش والتنمية للشعب الفلسطيني الذي يعاني الأمرين والإبتعاد عن الحماس المفرط والتعامل بالعواطف التي لم يجني من وراءها الشعب الفلسطيني شيئا،وضرورة استشراف المستقبل وإعمال العقل في معالجة هذه المسائل المصيرية،خاصة عندما نرى مواقف عربية رسمية اليوم “تستحسن” صفقة القرن وهو مؤشر على أنه من الضروري اليوم الاخذ بزمام الامور بأكثر واقعية مع استحضار المصلحة الجماعية التي تقتضي بعد النظر في التعامل مع النزاع العربي ـــ الإسرائيلي،وهو ما سيضمن للأجيال الأخرى عدم الندم على تفويت الفرصة مرة أخرى مثلما فعل أسلافهم مع المشروع البورقيبي منذ 1965..

دعوة لتغليب العقل والأخذ بزمام الأمور

ركز المشروع البورقيبي على عدد من النقاط مستندا على قرار التقسيم،دعا عبر إلى ضرورة أن تعيد إسرائيل إلى الدول العربية ثلث المساحة التي احتلتها منذ إنشائها لتقوم عليه دولة عربية فلسطينية،و أن يعود اللاجئون الفلسطينيون إلى دولتهم الجديدة،إضافة إلى أن تتم المصالحة بين العرب وإسرائيل لتنتهي حالة الحرب بينهم..وكان المشروع البورقيبي في تلك الفترة أول من تطرق إلى قضية اللاجئين الفلسطينيين من خلال الدعوة إلى حل شامل للصراع العربي – الإسرائيلي، ومن دون أن يتطرق إلى قضية حق عودة اللاجئين إلى ديارهم، حسب القرارات الدولية، بل دعا في مشروعه إلى عودتهم للدولة الفلسطينية التي طالب بإنشائها،مشددا التأكيد على نيل الحقوق لا تكون إلا عبر قيادة واعية تحمل خطط واقعية ومواقف عقلانية عملية بعيدة عن الخطب الحماسية والعاطفية إضافة على تمتعها بإجماع شعبي مما يؤهلها لقيادة مسيرة التحرير،مستشهدا بمسيرته الشخصية ومسيرة الشعب التونسي في نضاله ضد المستعمر لنيل حقوقه السليبة ورغم ذلك عمل على مساندة الشعب الفلسطيني قائلا “تعلمون أن الشعب التونسي، كان، إبان النكبة، مغلوباً على أمره، يعانى وطأة الحكم الاستعماري المباشر ومع ذلك، فقد أسهم في القيام بالواجب المقدس، وشارك في حرب فلسطين لكننا نعتبر في تونس، أننا لا نزال مقصّرين”..مؤكدا على أن الشعب الفلسطيني هو صاحب الحق الأول في تقرير مصيره ومعالجة قضاياه الخاصة دون ضغوط خارجية بقوله”ما أريد أن ألفت إليه نظركم، أصحاب الحق السليب، كما كنا نحن أصحاب الحق، الذي استبد به الاستعمار في تونس، هو أنه يجب أن تكونوا في الصف الأول من هذه الواجهة، التي تعمل على حماية فلسطين. إنني أصارحكم بما أعتقده في قرارة نفسي، وما آمنت به، من بعد تجربتي في الكفاح من أجل التحرر والانعتاق، التي دامت 34 سنة، فإن دوركم في المعركة هو الدور الأول، وهذا ما يجب أن تضعوه نصب أعينكم في قرارة نفوسكم وعقولكم”…هذه الدعوة إلى الأخذ بزمام الأمور التي وجهها الحبيب بورقيبة للشعب الفلسطيني نجدها اليوم توجه له مرة اخرى ـــ بعد 55 سنة ــــ من طرف الجامعة العربية إبان إعلان الرئيس الأمريكي عن صفقة القرن..فهل سيفوت الشعب الفلسطيني اليوم على نفسه الأخذ بالنصيحة مرة أخرى؟..

“الحماس” لا يكفي لتحقيق الانتصار

شدد الحبيب بورقيبة في خطاب 1965،على أن النزعة الحماسية المتقدة لا تكفي لاسترداد الحقوق وإنما من الضروري تغليب العقل والنظر للأمور من زاوية المصلحة الجماعية قائلا :” إن الإكثار من الكلام الحماسي، أمر سهل، وبسيط للغاية. أمّا ما هو أصعب وأهم، فهو الصدق في القول، والإخلاص في العمل، ودخول البيوت من أبوابها وإذا اتضح أن قوانا، لا قِبل لها بمحق العدو ورميه في البحر، فعلينا ألاّ نتجاهل ذلك، بل يجب أن ندخله في حسابنا، وأن نستخدم، مع مواصلتنا الكفاح بالسواعد، الإستراتيجية، وأن نستوحيها في مواقفنا، حتى نتقدم نحو الهدف، مرحلة بعد مرحلة، مستعينين في ذلك بالحيلة والجهد، فإن الحرب، كما لا يخفى، كر وفر”..فهل ننتظر في الأيام المقبلة تخلي المتدخلين في الشأن الفلسطيني عن “الحماس” المفرط الذي لم يجني من وراءه الشعب الفلسطيني غير ويلات الحرب والدمار؟..

دعوة لاستشراف المستقبل

لا يمكن أن نمر على خطاب الحبيب بورقيبة دون أن نقف عند دعوته الشعب الفلسطيني إلى ضرورة استشراف المستقبل البعيد دون التغافل عن معرفة الإمكانيات الحقيقة التي يتمتع بها،في إشارة واضحة إلى المزيد من التحلي بالموضوعية في التعامل،الأمر الذي يمكن ان يجنبهم العودة على الوراء والإصابة بنكبة أخرى،محذرا بان الارتماء في المغامرات لا يمكن أن يحقق المنتظر خاصة أن الحرب كر وفر ويجب الأخذ بزمام الأمور بأكثر عقلانية وحكمة في المواقف حيث يقول “أريد أن ألفت نظركم إلى أن تجربتي الشخصية في كفاحي الطويل، أكّدت لي أن العاطفة المشوبة، والأحاسيس الوطنية المتقدة، التي أرى نموذجاً حيا منها على وجوهكم، لا تكفي لتحقيق الانتصار على الاستعمار، بل لا بد مع الحماس والاستعداد للتضحية والموت والاستشهاد من قيادة موفقة، تتحلى بخصال كثيرة، ولا بد من رأس يفكر ويخطط، وينظر إلى المستقبل البعيد. والكفاح المركز، يقتضي فهْم العدو، ومعرفة إمكانياتنا الحقيقية، وتقدير إمكانيات الخصم، وضبطها بأكثر ما يمكن من الموضوعية والتحري والتثبت، حتى لا نرتمي في مغامرة أخرى، تصيبنا بنكبة ثانية، وتعود بنا أشواطاً بعيدة إلى الوراء”،موضحا أن ” توفير أسباب النجاح من خصائص القادة والزعماء والمسؤولين وهذه الأسباب، كانت تنقصنا في السنين الماضية، حين خضنا المعركة وسنعمل – إن شاء الله – بكد وجد وإخلاص وصدق على توفيرها للمعركة المقبلة ولقد بدأنا هذا العمل الإيجابي، ولكنه لم ينتهِ بعد، وهو يحتاج إلى جانب عظيم من الصدق والإخلاص والجدية والشجاعة الأدبية”…فهل سينصت الشعب الفلسطيني اليوم الى هذه الدعوة ويستشرف المستقبل في ظل “صفقة القرن”؟..