في عرس الثقافة الأحلام لها حبر وأنامل

آراء

في عرس الثقافة المقام حالياً على أرض المعارض في أبوظبي، تشعر أن للأحلام حبراً وأقلاماً وأنامل تنقش على الأرض صورة إنسان يقرأ الأبجدية على جبين الوجود بشغف العشاق الأقدمين الذي نظروا إلى السماء، فرأوا النجوم تصفق وترقص، فصفقوا ورقصوا ورفعوا النشيد عالياً، حتى شدت الأرض أوتار قيثارتها، وتسمرت أمام المشهد، وسكبت رحيق إعجابها بين الحقول، فانهمرت الجداول تتسرب بين ضلوع الجذور، فارتفعت الأغصان وتفرعت، ومدت أناملها إلى السماء شاكرة ومبتهلة لأن الله أعطاها خير العطاء وهو الوعي بأهميتها في الوجود.

في عرس الكتاب، تمضي الركاب مسهبة في الغناء، تفيض بأحلام لها بريق أراجيز ابن ماجد، قصائد الماجدي بن ظاهر، والليل يسكب شهده في كأس النهار، والنهار يغسل أنامل الليل بضوء الشمس، العشاق مستمرون في الطواف حول أجنحة الطير ممتدة على مساحة واسعة في المعرض.

تمر هنا، وتلتفت هناك، والوجوه تلمع ببريق الفرح، والجباه مغسولة بوميض الأشعة الضوئية مسلطة من لدن قلوب أحبت الكتاب، كما أحبت هذه الأرض الطيبة، تجود في كل عام بخطوات أوسع من أجل تطوير معرض الكتاب، وترسيخ جذوره، وجعله معلماً من معالم التاريخ الإماراتي الحافل بالمنجزات المبهرة، والمشاريع المدهشة.

في غضون أيام من أيام المعرض، تشعر بأن الحياة تخلع قميص الصمت، ليرتفع غناء الكتاب وتعلو قامة الثقافة، ويستمر التحليق في فضاءات مضاءة بأحلام تزهو بجمال الوجوه الباسمة وهي تطالع كتاباً أو تقلب صفحات أو تشرب فنجان قهوة عربية على أنغام الصوت الداخلي لضمير انتعش لمجرد رأى صاحبه في معية الكتاب، لأن للكتاب هالة سماوية، للكتاب فيض النجوم الفياضة بالنور.

للكتاب رائحة الشجرة، وبوح الطير على الأغصان.

للكتاب موسيقى لا يسمعها إلا ملحنو الكلمات بين السطور، وعازفو بيانو النشيد الوجودي.

تسير الخطوات بين الردهات، والممرات، وتصادفك وجوهاً تتسمر لما تجد بين يديك رواية جديدة، فتسأل أين مكان البيع؟ هنا تنفرج أساريره، وتشعر أن الأرض تنشق، فإذا بوردة من ياسمين هندي تتفتق وتفتح أكماماً بهيئة كف مخضب، تشعر بالفرح، بل إن الفرح يحملك إلى عالم لا تعرف كنهه، ولكنك تشعر بأنك في مكان آخر غير الأرض التي تقع عليها قدميك، تتلفت وتنظر إلى المارة، وهم محملون بأجمل الأثقال، فتتذكر أغنية للراحل أبو بكر سالم بالفقيه «ياحامل الأثقال خففها شوي» تشعر أنك في بستان، بلابله كتب تحملها أجنحة من هواء وهوى.

في المعرض تمر على هذا الدار أو تلك، ترى أن الوجوه منعمة ببريق الخبر، ورائحة الأنامل التي حفرت في الصفحات كي تبرز الكلمات وكأنها أشجار، وكأن الكتب حقول تخرج من ثنياتها تلك الزمردات المدهشة.

المصدر: الاتحاد