ناصر الظاهري
ناصر الظاهري
كاتب إماراتي

في مرافقة الخير طوال نهار

آراء

هناك أشخاص يرافقهم الخير منذ صباحهم وحتى المساء، قد تكون أشياء صغيرة تلك التي يفعلونها، ولكنها كبيرة في نفوس الآخرين، لي صديق برلماني أردني، حالته مثل حالة أولئك الأشخاص المنذورين لفعل الخير، طلبت منه مرة أن أرافقه طوال يوم من أيامه، كمراقب، وليس كضيف، لأعرف كيف يمضي ساعات يومه، خاصة وأنها تبدأ منذ الصباح الباكر عنده، ولا تنتهي إلا حين يخيم الليل، فقلت له من باب الفضول: أريد صحبة ماجد، فانتخى وهو البدوي العربي، وقال لعيونك، لكنني أشفق عليك، لأنك لن تطيق معي صبراً، وكان محقاً، لأن نقاله لم يتوقف عن الرنين، هذا يطلب حاجة في وزارة معينة، وآخر يريد توظيف ابنه في الشرطة، وأرملة تطلب تدخله ليعجّل لها في صرف معاش زوجها، فقلت له: لماذا لا تجعل لك سكرتيرة تنظم وقتك، وتزيد من ساعات عملك، وتكفيك الرد المباشر ولحظات الإحراج، وحذف ساعات من كلمات المجاملة بينك وبين المتصلين، وتجعلك تركز في أعمالك الكثيرة، فرد: تعرف لو اتصل أبو محمد، وردت عليه السكرتيرة، فسيعتقد أنني لا أقدره، وأنني متكبر عليه، وإن اتصل واحد من «أخويانا العربان» على هاتفي وردت عليه السكرتيرة فسيغضب ويعتبر أنها معيبة في حقه، خاصة وأنها لن تعزم عليه أن يقلط إلى المنزل أو تحلف عليه أن يأكل ذبيحته المقصوبة له قبل أن يخرج من شق داره أو تسأله عن حاله وأحواله وعن حلاله، ولن تسر له بضحكة أو تطيّب خاطره فرحة بلقياه، وسيفتقد هرج العربان وأعراف الرجال، وسيقول للسكرتيرة: «خلي البيك ليمنه رجع يدق عليّ».

كان نهاراً طويلاً وحاراً ومراجعات واتصالات وطلبات من هذا، والرجاء من ذاك، ومن ثم يعاود هو الاتصال بأهل الحاجات ويبلغهم بما صار عنده وجرى، وعند الغداء عاد إلى بيته، حيث يقيم وليمة منسف لبعض ضيوفه، والتي لم تمر دون الحديث عن حاجة فلان من الناس، وزيارة فلان المريض، وندب ابنه نائباً عنه للمفرق لينقط أحد العرسان في زفافه، أما هو فبعد أن انصرف ضيوفه ذهب ضمن جاهة ليحلوا مشكلة عشائرية، وخلال الطريق هاتف متوسطاً وكافلاً لأحد أبناء دائرته لتسببه في ارتكاب حادث بالخطأ، وساهم في مصالحة ابن وأبيه على الهاتف، ومر على عجوز وأعطاها ظرفاً، وقال لها على لسان زوجته لكي لا تشعر أن العطية منّية منه: «ترا تسلم عليك أم فلان، وتقول لك هذا ما هوب قدرك، مير أنك تدرين بالحال».

عدنا مساء، وكانت سفرته عامرة في مجلسه بالناس وصنوف الطعام، فقلت له: هل هذا الذي تفعله هو من دور النائب، وجزء من واجباته؟ وهل يفعلها كل النواب؟ ومن يعوضك عن كل هذه الخسائر المادية التي تتكبدها؟

فرد: أعتبر هذه الأفعال جزءاً من عمل الخير، وبدافع وتدبير شخصي، والناس تقصد وجه الخير، لقد تركت البرلمان مرة، فلم أرتح من هذا العمل اليومي، كبرلماني سابق، تعرف من الذي ارتاح؟ منافسي في الدائرة، الفائز في الانتخابات!

مضى اليوم.. وكأن للخير طعماً في الفم، وكأن للخير صحة في البدن ظهرت جليّة في وجه صديقي النائب!

المصدر: الاتحاد