في يوم العيد انكسر قلبي

آراء

في صباح مدملج بهوى الزمن الجميل، قطفت من لوزة القلب ثمرة العيد، ورحت بين الأزقة أتهجى أبجدية العمر، وأقرأ السطور بعضها جفّ حبره، وبعضها لم تزل تنزف عرقاً، تبلل خطواتي بالتعب، هناك في زقاق قديم عاينت الأثر الطيب، حين كان الرجل النبيل يرونق وجهه بابتسامة زهرية، تهفهفت عند وجنتين غزاهما شيب، وبعض خيبات الزمن، هناك توقفت وتأملت، وتزملت بذاكرة رخية، هناك زحف الزمن بجيوش جرارة سحقت مهجتي، وأطاحت بصور، ورسوم، ووجوه، ومشاهد وأحداث، وضحكات مجلجلة هيضت الخاطر، وانبجست كأنها الغيمات في أحشاء السماء، تناهت إلى القلب أصوات جاءت من بعيد كأنها الركاب تخب عند ربوة الزمن، كأنها الصخب في ضمير الكائنات كأنها الحلم يتزحلق عند منخفض في التاريخ، وها أنا أنبش في ريعان المكان ما كان وهو الآن يتهاوى، ويذهب إلى اللاشيء، ويصبح كعصف مأكول، تذروه رياح النسيان في ذاكرة جيل ربما لم يعش التفاصيل، ولم يحالفه الحظ في تبيان ما قد حدث، وما جادت به قريحة زمن كان في عطائه السخي بذخ، وترف مشاعر لم تشبها شائبة اللهاث اليومي، اليوم وفي صباح عيد فيه الكثير من جزيئات الحياة قد ولت، واندثرت وريقاتها، وأصبح العيد مكمماً، وفي خافق الناس يختبئ خوف ما، وحش ما قيل إنه وباء، والأمر كذلك رأيت ما رأيت من هول المنظر، حيث بيت ذلك الرجل النجيب، غزته روح عاطفية عصبية فقضت بعض جدرانه، والتهمت صدر البيت، وقلبه، والأعظم من كل ذلك إنها جزت عنق ذاكرته، وأسهبت في الذبح، والتضحية برائحة زمن أزكى من كل ما قد نتصوره، أو يقع في خيال بشر، أنها الهالة لذلك الرجل، الذي ملأ وجدان الزقاق، بمشاعر لها معطف الدفء، ومآثر قد يندثر البيت القديم، وقد يُمحى عن الوجود، ولكن مآثره ستبقى حية في وجدان التاريخ، وفي صندوق الزمن، ستمكث طويلاً، كقلادة يصهل بريقها، ويرفع النشيد عالياً.

أنا وحدي وجدت هناك في قلب الزقاق لوزة تئن، وتسأل عن غائب، تسأل عن شائب بالأمس كان هنا، واليوم ربما لن يعود، ولكن لرائحة ثوبه المعلق على مشجب الزمن شيئاً من الأزلية، شيئاً من أبدية الأشياء التي لا تختفي بفعل تقادم الزمن، لأنها الأشياء التي جاءت إلى الوجود لتبقى، وتستمر في الحياة، مثل النجمة، مثل الشمس المطلة من باطن شرشف السماء.

شكراً «بوحمود» لقد ذهبت، وتركت لنا الذكرى الجميلة.

المصدر: الاتحاد