سامي الريامي
سامي الريامي
رئيس تحرير صحيفة الإمارات اليوم

قانون حضاري في دولة حضارية

آراء

لا نعيش بمعزل عن العالم، بل العالم بمختلف جنسياته يعيش بيننا، والأرقام تؤكد أن الجنسيات المقيمة على أرض الدولة تفوق عدداً الدول المسجلة في الأمم المتحدة، لذا لابد من تطوير وتجديد واستحداث قوانين جديدة تناسب وتواكب كل مرحلة زمنية تمر علينا، وتتناغم مع الأحداث السياسية التي تُحيط بنا حفظاً لمجتمعنا الداخلي، وحفظاً لأمننا وأماننا واستقرارنا، وهو أمر في غاية الضرورة.

من هنا جاء مرسوم القانون الذي أصدره صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد رئيس الدولة، حفظه الله، بشأن مكافحة التمييز والكراهية، الذي يقضي بتجريم الأفعال المرتبطة بازدراء الأديان ومقدساتها، ومكافحة أشكال التمييز كافة، ونبذ خطاب الكراهية، عبر مختلف وسائل التعبير وطرقه.

هو الوقت المناسب جداً لظهور هذا القانون، فالجميع هُنا مواطنٌ أو مقيم يجب أن يدرك أن هناك سيادة لدولة وطنية، هذه الدولة تضم الجميع، وعلى الجميع الالتزام بالقوانين والأنظمة المنظمة للحياة، وأهم شروط هذا الالتزام احترام الآخر، مهما كان لونه أو جنسه أو دينه، ما دامت الدولة سمحت له بالإقامة هُنا، فعليه احترام القوانين، وعلى الآخرين احترامه، والدولة فقط هي من تطبق القانون على الجميع.

القانون الجديد يضع حداً لتجاوزات متوقعة في ظل الظروف الراهنة المحيطة بنا، ويهدف بشكل واضح وقاطع لإغلاق مفاتيح الفتن والأمراض المتفشية في هذا الزمن، التي أدت إلى تدمير دول، وقتل أبرياء، وانتهاك حقوق البشر، وهو خطوة استباقية ممتازة، فنحن لن ننتظر المُصيبة حتى تقع، بل لابد من العمل بشكل منظم وقانوني لمنع وقوعها، بل واقتلاعها من جذورها قبل أن تبدأ الجذور في التكون، لتبدأ في إظهار المشكلة على الأرض، والتجارب المحيطة كانت واضحة للعيان، بشكل يجعلنا أكثر حذراً وأكثر إصراراً على مكافحة الأمر قبل وقوعه.

مفاتيح أبواب الفتن معروفة وواضحة، والقانون جمعها في بوتقة واحدة، ووضع العقوبات الرادعة لمن يُفكر في نشر أمراضه النفسية المقيتة في المجتمع، فالإساءة إلى الذات الإلهية أو الأديان أو الأنبياء أو الرسل أو الكتب السماوية أو دور العبادة، أو التمييز بين الأفراد أو الجماعات على أساس الدين أو العقيدة أو المذاهب أو الملة أو الطائفة أو اللون أو الأصل الإثني، هي جرائم واضحة، يعاقب عليها القانون الجديد بالسجن والغرامة المالية.

الإمارات دولة حضارية، ولكل إنسان حريته، ولكن وفق القوانين، وليس لأي شخص الحق في التعدي على حريات الآخرين، ولا علاقة لأحد بمذهب أحد، ولا بدين أحد، ولا بلون أحد، لكل إنسان حريته المطلقة في العبادة والتقرب إلى الله كيف شاء، دون أن يؤذي ويسفّه غيره، يجب وقف جميع التصرفات التي خلقت الكراهية والحساسية والحروب في دول قريبة، ووأدها هنا حتى لا تجد من يُغذيها وينشرها ويعمل على تدمير المجتمع.

حان الوقت لأن يعي كل شخص في هذا المجتمع ما يقول، وما يكتب، وما ينشر، وحان الوقت لإعادة الهدوء والطمأنينة التي يُعرف بها أهل الإمارات، وحان الوقت لكبح جماح مواقع التواصل الاجتماعي التي تحوّلت إلى بؤر لنشر الكراهية والتحريض عليها، أظهرت أقبح ما يمكن رؤيته من وجوه، وأقذر ما يمكن سماعه من كلمات، وأفظع تصرفات، وأسوأ نماذج.

وحان الوقت ليتحمل الجميع مسؤولية الحفاظ على أمن واستقرار المجتمع، وحماية منجزاته، والمساهمة في نبذ كل التصرفات السلبية التي يمكن أن تؤثر في الوحدة الوطنية، أو الاستقرار والأمان، فهما أغلى ما نملك، وبهما نعيش، وفيهما مستقبل أطفالنا والأجيال المقبلة. القانون الجديد جاء حضارياً مواكباً لدولة حضارية، ولاشك أن إقراره وتطبيقه في هذا الوقت، هو إنجاز طيب يضع كثيراً من النقاط على حروفها الحقيقية، وليتحمل كل فرد نتيجة أفعاله، ومن يُرد العيش في الإمارات فليلتزم بقوانين الإمارات، ففيها الحرية والحضارة والرقي، ولا نقبل غيرها، ولا نقبل المساس بسيادة القانون والدولة.

المصدر: الإمارات اليوم