قراءة في ظهور سمو الأمير بندر بن سلطان حوار الحنكة السياسية.. مواقف الفخر والاعتزاز بالدبلوماسية السعودية ورسائل التوعية والعقلانية للقيادة الفلسطينية

آراء

خاص لهات بوست: 

لا يمكن أن يمر ظهور مسؤول سعودي دون أن يشد الانتباه إلى تصريحاته لما للمملكة العربية السعودية من وزن وثقل إقليمي ودولي؛ حيث تعتبر المواقف السعودية مؤثرة في القرارات السياسية والاقتصادية على الساحة ومحرك للتحالفات بالمنطقة والعالم؛ كما أن المملكة العربية السعودية تعتبر القلب النابض للعالم العربي والإسلامي فلا يمكن أن تُتخذ القرارات خارج دائرتها الجيواسترتيجية فيحرص الجميع إلى العودة إليها كمرجع تدور في محوره السياسي والدبلوماسي والاقتصادي؛ حيث تواترت أخبار- مؤخرا وفي ظل التحالفات الجديدة التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط- في عدد من وسائل الإعلام الإقليمية والعالمية حول إعراب مسؤولين كبار في إدارة الرئيس دونالد ترامب عن أملهم في موافقة السعودية التي تعد أكبر اقتصاد في الشرق الأوسط ومركز المقدسات الإسلامية على فتح علاقات دبلوماسية مع إسرائيل عقب توقيع اتفاق “إبراهام” بين دولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين والجانب الإسرائيلي، اتفاق للسلام يبشر بفتح صفحة جديدة من العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية في المنطقة ويطوي مرحلة الصراعات التي عاش على وقعها شعوب الشرق الأوسط لعقود خلت كانت فيه لغة الحروب والانقسامات وتراشق التهم والعنف هي المسيطرة.. لكن الظهور الأخير لسمو الأمير بندر بن سلطان آل سعود، قد أحدث صخبا نظرا لقيمة الرجل في المشهد السياسي والدبلوماسي العالمي إذا يعتبر «عرّاب السياسة»، الذي يتمتع بالحنكة السياسية ويحمل تاريخاً طويلاً في العمل الدبلوماسي طيلة 22 سنة شغل خلالها منصب السفير السعودي لدى الولايات المتحدة من عام 1983 إلى عام 2005، فكان حواره عبر قناة «العربية» قد أظهر التغير الكبير في السياسة الإعلامية للمملكة العربية السعودية، التي حرصت عبرها عن التخلي عن الآليات التقليدية في التواصل والتحول إلى النمط التواصلي العصري، الذي يكشف عن موقف المملكة من التحديات السياسية والتغييرات الجيواستراتيجية في المنطقة والعالم والقضايا المفصلية المطروحة أمام الجميع اليوم، فكشف الحوار عن السياسة الجديدة للمملكة في تعاملها مع القيادات الفلسطينية التي طالما قدمت لها المملكة الدعم التام وغير المشروط لمساندة قضيتها التي تعتبرها «قضيتها الأولى العادلة» كما أكد ذلك سمو الأمير بندر بن سلطان، خلال حواره الذي جاء محملاً بمواقف الفخر والاعتزاز بما قدمته الدبلوماسية السعودية طلية عقود خدمة لقضايا المنطقة والعالم وفي مقدمتها القضية الفلسطينية التي تبنتها المملكة منذ حكم الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود، وصولا إلى الملك سلمان، حوارا أكد المتابعون أنه سيكون مرجعاً تاريخياً لمواقف المملكة من القضية الفلسطينية، «فسمو الأمير بندر بن سلطان، يشكل تجربة سياسية مهمة وذاكرة حية لأحداث كبرى عاشتها المنطقة».. كما أكد ذلك الدكتور سليمان الهتلان عبر تغريدة نشرها عبر حسابه الرسمي بموقع تويتر، والتي شدد فيه على أنه «بكل تأكيد أن في جعبة سمو الأمير الكثير من الدروس التي تؤكد مجدداً أن نهج الواقعية السياسية والمصالح الوطنية هي لغة العصر وهي طريق النجاة من خراب خطابات الوهم والشعارات الزائفة والأيديولوجيات المدمرة» وهو ما يكشف للجميع جليا أن الحوار الأخير الذي أطل عبره سمو الأمير بندر بن سلطان لن يمر سريعاً وإنما سيظل كوثيقة تاريخية للأجيال القادمة تكشف عن الحنكة السياسية للدبلوماسي المخضرم الذي عاصر العديد من الملوك والرؤساء وكان شاهداً على العديد من القضايا الإقليمية والعالمية، مساهماً في حل الكثير من الأزمات الدولية، فكان حواره بعيدا عن رسميات اللقاءات الإعلامية المعهودة كان خلاله سمو الأمير يتحدث بلهجة وأسلوب قريب من الجميع فوجه عبره رسائل توعية للقيادات الفلسطينية بضرورة انتهاج العقلانية في التعامل مع الأمور، رسائل توجيهية بأن التعاطي مع المتغيرات الإقليمية والدولية اليوم تقضي آليات جديدة تتسم بالمرونة وتبعد عن التعصب والتهجم الذي لم ولن يحل أزمة الشعب الفلسطيني، إضافة لمواقفه المعتزة ما قدمته الدبلوماسية السعودية طلية سنوات والموجهة للشعب السعودي لمزيد من الفخر بما قدمته ومازالت تقدمه المملكة العربية السعودية من دعم للقضايا العادلة في جميع أنحاء العالم.

مواقف الفخر والاعتزار بالدبلوماسية السعودية

الظهر البارز لسمو الأمير بندر بن سلطان بن عبد العزيز آل سعود، في لقاء تلفزيوني يكتسب أهميته من مكانة الدبلوماسي السابق ورجل الاستخبارات، الذي يمتلك الكثير من الأسرار، جمعها خلال رحلة عمل امتدت لعقود بين عدة عواصم عالمية.. فقد تلقى سمو الأمير بندر تعليمه الأساسي في السعودية، ثم التحق بكلية «كرانويل» للقوات الجوية البريطانية، وتخرج منها في عام 1968.. إضافة إلى حصوله على تدريب متقدم في قاعدة «ماكسويل» الجوية ومدرسة «دوايت د.أيزنهاور» لاستراتيجية الأمن القومي والموارد الأمريكية.. ثم أصبح سمو الأمير بندر بعد ذلك مدرب طيران وقائداً لسرب طائرات «إف-5» في القوات الجوية الملكية السعودية، وتنقل بين عدة قواعد عسكرية داخلية، كما خضع لمزيد من الدورات التدريبية الخارجية.. وفي سنة 1977 تحول سمو الأمير بندر بن سلطان إلى حقل آخر بعيدا عن القطاع العسكري، ليبدأ مسيرة دبلوماسية كمبعوث شخصي للملك خالد بن عبد العزيز في العام الموالي؛ حيث تم تعيينه ضمن فريق لتوقيع صفقة شراء 60 طائرة أمريكية «إف-15 إيغل».. وبعد نجاح تلك الصفقة، بدا أن لجهود الأمير بندر الدور الأكبر فيها، حيث كان لعدة اتفاقات جانبية أبرمها مع مسؤولين أمريكيين، وبينهم رؤساء ومرشحون للرئاسة ونواب في مجلس الشيوخ، دور رئيس بتمرير الصفقة، فقادت صفقة الطائرات تلك، سموه إلى العمل كملحق عسكري في سفارة بلاده بواشنطن، في العام 1982، قبل أن يصبح بعد وقت وجيز السفير السعودي في العاصمة الأمريكية، ويبقى في ذلك المنصب حتى العام 2005، في محطة دبلوماسية طويلة جدا.. اشتهر سموه بعلاقاته الواسعة والوثيقة مع المسؤولين الأمريكيين، من البيت الأبيض إلى مجلسي الشيوخ والكونجرس، بجانب رجال الأعمال ومسؤولي البنوك، وسفراء الدول الفاعلة في واشنطن، وكبريات وسائل الإعلام وجماعات النفوذ والضغط السياسي.. وفي أواخر السبعينات تسلم سمو الأمير بندر مهامه، في فترة شهدت سلسلة حوادث مزعزعة للاستقرار في الشرق الأوسط، حيث وقعت الثورة الإسلامية الإيرانية بقيادة الخميني على نظام الشاه، وأطيح بحكم محمد رضا بهلوي، وحصلت حادثة احتجاز الرهائن الأمريكيين في طهران، وأعقب ذلك غزو الاتحاد السوفييتي لأفغانستان أواخر عام 1979، واندلاع الحرب الإيرانية العراقية سنة 1980.. كان خلالها سموه على صلة الوصل الرئيسية في علاقات بلاده بواشنطن، والتي كانت تتطلب تواصلا وتنسيقا مستمرا للتعامل مع تلك الأحداث وتطوراتها المستمرة، وقد نجح سموه بالفعل في إقناع واشنطن ببيع الكثير من الأسلحة المتطورة لبلاده، في إجراء وفر للسعودية قوة عسكرية كبيرة.. دون أن ننسى أن سمو الأمير بندر بن سلطان قد لعب دورا في ملف المصالحة اللبناني بعد الحرب الأهلية في الثمانينيات، إذ عينه عمه الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود، مسؤولا عن الملف الذي كانت الرياض لاعبا رئيسيا فيه، وكان لجهوده وزياراته المتكررة للزعماء والسياسيين اللبنانيين، ومسؤولي الدول الضالعة في القضية اللبنانية، مثل سوريا، دور رئيس في توقيع اتفاق الطائف عام 1989، والذي أنهى الحرب.. عاد بعدها سموه الأمير إلى دائرة الضوء مجددا، وبقوة في العام 2012، عندما عين رئيسا للاستخبارات، الجهاز الأمني الحساس، وارتبط اسمه خلال محطة عمله الأمنية تلك، والتي استمرت لنحو عامين، بملفات عديدة، بينها الصراع السوري والمفاوضات بين الفصائل الفلسطينية.. كما أن لسمو الأمير الذي يبلغ من العمر الآن، 70 عاما، مكانة بارزة في العائلة الحاكمة، فهو حفيد الملك المؤسس، وابن لولي عهد سابق، وزوج ابنة ملك البلاد الثالث، فيصل بن عبد العزيز، بجانب كونه والدا لسفيرة بلاده الحالية في العاصمة الأمريكية، الأميرة ريما بنت بندر، التي تعد أول امرأة تشغل منصب سفيرة لبلادها، فيما يشغل ابنه الأمير خالد منصب سفير الرياض لدى بريطانيا، لهذا ظل كل ظهور إعلامي له محل ترقب ومتابعة لمعرفة مزيد من الأسرار عن فترة عمله الطويل، وهو ما حصل مع ظهوره عبر قناة العربية؛ حيث كان حواره حوارا صريحا واضحا وضع النقاط على الحروف، كشف العديد من النقاط المفصلية في أسلوب رزين ينم على ثقة الرجل بما يملكه من معلومات وتاريخ كان شاهد عليه، فكانت فرصة كشف عبرها للجميع أن للدبلوماسية رجالا يعملون في هدوء دون استعراضات إعلامية أو جعجعة فارغة، كان الحوار فرصة لنعرف خبايا مراحل عاصرها سمو الأمير ونقلها لنا «عرّاب السياسة»، حوار سيبقى كوثيقة في ذاكرة التاريخ حيث حمّل سمو الأمير بندر بن سلطان الشعب السعودي أمانة الفخر بمنجزاتها الدبلوماسية وسعيها الحثيث والدائم لحل القضايا الإقليمية والدولية، في الوقت الذي استغله البعض ضدها لمحاولة طمس هذه المجهودات عبر الإدعاءات والأكاذيب الذي تجد فيه جحودا ومحاولات تشويه منظمة من بعض الأطراف التي تسعى لبث الفوضى ونشر الفتنة بكل الوسائل، موجها بذلك رسالة للإعلام البديل اليوم بأن يضطلع بدوره في العمل على تعريف الجيل الجديد بجهود المملكة العربية السعودية التي كان رجالها يعملون في هدوء وصمت دون مزايدات، فالمملكة طالما كانت ومازالت تؤمن أنه من واجبها حل النزاعات الإقليمية والعالمية لما لها من مكانة وثقل سياسي وتأثير كبير في القرارات الدولية، فلم تتوانى على تقديم الدعم والمساندة والمساعدة لكل أصحاب القضايا العادلة حول العالم وفي مقدمتها القضية والفلسطينية ورغم ذلك تجد طمس وتهوين وجحود لجهودها، لكن الأمر اليوم تغير ولا يمكن أن تتواصل هذه الممارسات من أطراف لهم «تاريخ» كان ومازال رجال المملكة العربية السعودية يملكون شهادات عليه.. فكان بذلك حوار سمو الأمير بندر بن سلطان رسالة إنصاف بعث بها لبلده وشعبه، رسالة إنصاف للمملكة العربية السعودية العظيمة بإنجازاتها وجهودها في كل المجالات..

رسائل التوعية والعقلانية للقيادة الفلسطينية

وجه رئيس الاستخبارات السعودية السابق، سمو الأمير بندر بن سلطان بن عبد العزيز، نقده لموقف السلطة الفلسطينية من اتفاق السلام الذي أبرمته كل من دولة الإمارات والبحرين مع إسرائيل، مؤخرا.. مشيرا إلى أن القضية الفلسطينية قضية عادلة لكن محاميها «فاشلون»، مؤكدا أن القيادة الفلسطينية تراهن دائما على الطرف الخاسر قائلا «وهذا له ثمن». كما أعرب عن ألمه لما سمعه من تصريحات موجهة لدول الخليج قائلا: «ما سمعته مؤلم، لأنه كان متدني المستوى وكلام لا يقال من قبل مسؤولين عن قضية يريدون من كل الناس أن يدعموهم».. كما أشار إلى أن انتقادات السلطات الفلسطينية للاتفاق بأنه «تجرؤ بالكلام الهجين»، مضيفا «أنه غير مقبول».. في الوقت الذي تواجه القيادة الفلسطينية انتقادات بسبب إساءتها إلى دول شقيقة، رغم الدعم الذي قدمته السعودية على مدى عقود طويلة للشعب الفلسطيني وقياداته المتعاقبة، مؤكدا أن المملكة العربية السعودية لم تتوانى في تقديم المشورة والمساعدة المعنوية والمادية حيث تعتبر القضية الفلسطينية «قضية عادلة» وملوك السعودية مشهود لهم دعمهم لكل القضايا العادلة حول العالم.

وبسط سمو الأمير بندر بن سلطان موقفه هذا والذي يتماشى مع موقف كافة الخليجيين الذين يرفضون الإساءة لدولتين من دول مجلس التعاون من طرف أي جانب كان، مشيرا إلى أن دول الخليج لن تتخلى عن القضية الفلسطينية رغم تواتر هذه الإساءات من السلطة الفلسطينية التي فشلت في الدفاع عن قضيتها.. ورغم ذلك فإن الدول الخليجية تقيمُ فرقا بين القيادة الفلسطينية، من جهة، والشعب الفلسطيني، من جهة أخرى، لأن دعم القضية الفلسطينية مبدأ راسخ لا حياد عنه في الوقت الذي فشلت فيه السلطة الوطنية في تحقيق مشروع سياسي ينهض بالشعب الفلسطيني أو يقدم حلاً عقلانياً يتماشى مع الواقع لهذه الأزمة التي طالت أكثر من اللازم وأرهقت الشعب وأضعفت المواقف المساندة له وأدخلتها في دائرة صراعات لا تنتهي، في حين أن القيادة الفلسطيني تصر على الهروب للأمام عندما تم إبرام اتفاق السلام مؤخرا، فهذه الممارسات اللامسؤولة من هذه القيادات ساهمت في إغراق القضية في متاهات من الفشل والضياع، حيث نجدها ترتمي في أحضان تركيا وهي من الدول المناوئة للدول العربية وتسعى بكل قوتها لضرب مصالحها في المنطقة والعالم وهو ما يكشف فقدان السلطة الفلسطينية لحاضنتها العربية اليوم ودخولها في حالة عزلة سياسية واقتصادية عمقت من أزماتها المتعددة التي صارت تعاني منها داخليا وخارجيا، مذكرا بالاجتماع الأخير الذي حصل بين الفصائل الفلسطينية في بيروت، وأطراف مصنفة ضمن قائمة المنظمات الإرهابية مثل حزب الله الذي تدعمه إيران ووصف هذه الخطوة بالانخراط في الدور التدميري الذي تلعبه هذه الأطراف المعزولة إقليميا وعالميا.. مذكراً بحرص المملكة العربية السعودية على تقديم الدعم بسخاء للقضية الفلسطينية منذ بدايتها- قبل ما يزيد عن 90 عاما- حيث جعلت القضية الفلسطينية أساسا التعامل مع المنابر الدولية، كما ضمنت تسليم الرواتب والدعم الدولي للشعب الفلسطيني، ولم تسمح يوما بالنيل من حقوق الفلسطينيين.. في إشارة منه إلى أن ارتماء حركتي فتح وحماس في حضن إيران وتركيا إنما هو مراهنة على الطرف الخاسر الذي راهنت عنه سابقا وهو ما يكشف أن «قرارات» السلطة الفلسطينية «مسيطر عليه» وهو ما يجعل القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني رهينة في يد هذه القيادات التي تسعى لتحقيق مكاسب شخصية وربط علاقات مع أطراف «مشبوهة» ومورطة مما سيزيد في تعقيم أزمتها وعزلتها إقليميا ودوليا.. حيث إن هذه الأطراف المشبوهة تتاجر بالقضية الفلسطينية وتتعاون بشكل وثيق وسري مع إسرائيل، في كافة المجالات، مشيرا إلى أن الموقف المسيء الذي صدر عن السلطة الفلسطينية لن يجعل دول الخليج تنصرف عن القضية، لأنها ما زالت أساسية في سلم الأولويات، لأنها تعي تماما أن الشعب الفلسطيني يتطلع «للتحرر» من سيطرة هذه القيادات ومن يدعمها من أجل التوصل لحل واقعي وجذري لقضيته العادلة خاصة في ظل وجود قيادات شابة قادرة على القيادة دفة الحكم بأكثر عقلانية ونضج سياسي وهو ما يتماشى ومتطلبات المرحلة والمتغيرات الإقليمية والعالمية التي تفرض مثل هذا الوعي والمعالجة الجديدة للقضايا المصيرية بالأخذ في عين الاعتبار كل ما يدور حولها ويضمن استرداد الحقوق الضائعة.. وهو ما يكشف الحنكة السياسية للسمو الأمير ومسيرته المهنية الحافلة في حل القضايا العالقة في المنطقة والعالم.. في الوقت الذي يغيب فيه عن أذهان العديد أن الدول الخليجية والعربية هي التي تحافظ على القضية الفلسطينية فيما انصرف قادة السلطة الفلسطينية إلى هواجس المال وإقامة المشاريع الخاصة وأهملوا هموم الشعب الفلسطيني وباعوا القضية على أرض الواقع.. مؤكدا كذلك أن القيادات الفلسطينية طالما كانت ولازالت لا تحسن قراءة الواقع بصورة جيدة فهي تصر دائما على الانحياز للجانب الخاسر وأكدت ذلك اليوم حينما اختارت أن تناوئ دولتين أبرمتا معاهدة سلام مع إسرائيل.. في حين أن هذه الدول طالما عملت عبر التاريخ على تقديم الدعم اللامشروط للقضية الفلسطينية ولم تبحث أبدا عن تحقيق مصالح خاصة من وراء ذلك، عكس ما تفعله اليوم تركيا وإيران وكل من يدور في محورهما وهو أمر لا يساعد البتة في حل القضية، وهو ما يدعو اليوم هذه القيادات أن تكون أكثر وعياً ومواكبة للتطورات والمستجدات وتحسن قراءة الواقع بعقلانية سياسية تضمن لها التعامل بآليات جديدة وتبتعد عن معالجة قضية حالية بآليات تقليدية لا تنفع بل تزيد من تعميق الأزمة وتضييع الفرص لتحقيق السلام العادل للطرفين.. مشيرا إلى أن اتفاق السلام المبرم بين دولة الإمارات وإسرائيل أسدى خدمة كبيرة للفلسطينيين حينما أوقف عملية ضم أراض فلسطينية.. هو ما يدفع القيادة الفلسطينية اليوم إلى المبادرة بالاستفادة مما تم التوصل إليه على أرض الواقع وتحاول البناء عليه عوض الهروب إلى الأمام والارتماء في أحضان أطراف طالما كشف التاريخ أنها تعمل على بث الفوضى ونشر الفتنة ولا تدخل أرضا ألا وتركتها بورا وخراب، فالقضية الفلسطينية لن تحل خارج دائرة الخليج العربي الذي يمثل بدوله كافة ثقلاً سياسياً وجيواستراتيجياً لا يمكن لأي قضية اليوم أن تمر دون العودة إليه كمرجع للقرارات الإقليمية والدولية، والواقع يتحدث عن ذلك بشدة ويكشف هذا على أرض الواقع وهو ما يستجوب قراءته من طرف هذه القيادة التي تعيش في بوتقة تسيطر على قراراتها أطراف لا تنفك على الإضرار بمصالح الكل من أجل مصالحها الشخصية.. مؤكدا أن من يعرقل تسوية القضية الفلسطينية هو الفهم الخطأ من جانب هذه القيادات ولا دخل للشعب الفلسطيني في ذلك، وشدد على ضرورة أن تعود هذه القيادات إلى المحيط العربي، فخطوات السلام الأخيرة قدمت منطلقا للتفاوض والسير نحو الحل لأن الأطراف الإقليمية التي تستغل القضية مثل إيران وتركيا تسعى إلى تحقيق مصالح ذاتية، في حين تدعم الدول الخليجية والعربية القضية الفلسطينية إيمانا منها أنها قضيتها الأولى العادلة وأن الشعب الفلسطيني يستحق حياة أفضل مما يعيشه منذ عقود تاجرت فيها هذه القيادات بقضيته وباعت حقوقه لتحقيق مصالح ذاتية على حسابه.. تحدث سمو الأمير بندر بن سلطان، فأوجع مذكرا بتاريخ لا ينسى ومنح الأجيال القادمة وثيقة ستبقى مدى التاريخ بمثابة مرآة عاكسة كاشفة للحقائق التي لطالما كتبت وزرعت في عقولهم بنزعة انحيازية مجانبة للواقع فربت أجيالاً على رؤية أحادية لا تعكس حقيقة الأمور ولا تترك المجال أمام العقل ليقرأ المسائل بأكثر واقعية مع إضفاء هالة من «القدسية» على شخصيات تم تصويرها على أنها المنقذ والحل في حين أنها كانت تسعى لعقد «صفقات سرية» مع كل الأطراف خدمة لمصالحها الخاصة ومازالت، كما أكد سمو الأمير في حواره أنه على الجميع اليوم أن يدرك متغيرات وتطورات الواقع والتحالفات الجديدة التي أسالت لعاب الكثيرين من أجل التدخل كلاعب أساسي في المنطقة وتحريك بعض الأطراف من أجل الفوز بأطماع سياسية تغذيها أوهام السيطرة باستعمال القضية الفلسطينية كمطية لذلك.. فكشف حواره لأول مرة أن المملكة العربية السعودية تتخذ نهجا جديدا في التعامل مع القيادات الفلسطينية بالحديث العلني عن ما قدمته السعودية لهم بشكل خاص وللقضية الفلسطينية بشكل عام على مدى عقود، وهذا يعني أنه لم يعد مقبولا بل مرفوضا نكران الجميل والمراهنة على صمت المملكة، فوضع بذلك النقاط على الحروف، وتحدث فأوجز وتكلم بكل وضوح وشفافية عن القضية الفلسطينية وعن دعم السعودية المطلق لها، ووصف فأبدع بالوصف فأعطى دولة قطر حجمها الحقيقي.. وهو ما يثبت أن النهج الثابت في التعامل من قادة المملكة مع القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني من جانب ومن القيادات الحاكمة من جانب آخر قد تغير اليوم.. مؤكدا أن ملوك المملكة العربية السعودية يحملون همَّ كل جار وكل عربي مسلم، ومدت أياديهم بياضاً ناصعاً بالخير والعطاء، فكان حوار سموه بمثابة خارطة سياسة من العيار الثقيل كشفت للجميع المواقف المشرفة للملوك السعوديين في خدمة قضايا الأمتين العربية والإسلامية وخاصة قضية فلسطين التي قدموا لها تضحيات عظيمة قوبلت بالنكران، ألا إنه حرص على التأكيد أنه لا مجال للتخلي عن قضية الشعب الفلسطيني العادلة التي تحتاج اليوم في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية، تحتاج إلى قيادة أكثر واقعية وعقلانية ونضج سياسي ودبلوماسي، فكان لقاءً مع شخصية سياسية ودبلوماسية استثنائية، سيظل وثيقة تاريخية للأجيال الحاضرة والقادمة.